تاريخ النشر : 2009-06-09
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] غزة-دنيا الوطن
كتبت شيماء مصطفى في اسلام اون لاين:"بينما كان "بـراء" منغمساً في بناء قصرٍ من الرمال على شاطئ البحر وضحكات إخوته ترتفع من حوله.. ارتفع رنين هاتف محمول من الخيمة المجاورة، فصوب "براء" بصره نحـو الصـوت، وأرهف السمع..
وفجـأة نفض يديه من الرمال ملتفتا إلى والدته ليهمس في أذنها: "ماما أصحاب الخيمة المجاورة لنا فتحاويون".
فارتسمت أمارات الذهول على وجهها، وأردف صغيرها قائلا: "لقد سمعت هاتفهم المحمول يرتفع بـ(يا فتح يا أم الأحرار)".
الأم المصدومة من حديث صغيرها، تقول في حديث لـ"إسلام أون لاين.نت": "أصبحت نغمات الجوال تحدد هويتنا وتصنفنا حزبيا ومن نكـون.. حتى أطفالنا باتوا يدركون الموقف ويستوعبون ما يدور حولهم".
ما ألقـاه "براء" على مسامع والدته يكـاد يتكرر في كل منزل بمدينـة غـزة، ففي الشارع والسيارة والجامعة، وبمجرد أن يصدح الهاتف المحمول بنغمة الرنين، يعرف السامعـون لون صاحبه السياسي ويصنفه تلقائيا حزبيا.
كوكتيل نغمات
على مدرج الجامعة، وما إن ارتفع هاتف "كريم صالح"، الطالب في كلية الآداب، بـ"هلا يا صقر القسام.. هلا يا حمساوية.. المستوطن ما بينام منصورة مية المية"، حتى بدأ الطلاب من حوله يتهامسون فيما بينهم: "وأخيرا عرفنا لونك".
ويقول الطالب "رامي زيدان": إن "أغلب الطلبة باتوا يستخدمون نغمات هواتفهم المحمولة حسب انتمائهم الفصائلي، فإذا كان ينتمي لفتح تكون نغمته فتحاوية, وإذا كان يؤيد الجهاد الإسلامي تكون نغمته تتبعه".
ويضيف زيدان بسخرية: "إذا أردت معرفة انتماء أي شاب في الشارع اطلب رقم جواله، وبالتالي ستعرف انتماءه فور سماع نغمة هاتفه".
وتعترف "سلمى مشتهى" أن هاتقها المحمول عبارة عن كوكتيل نغمات, وتخصص لكل فرد من أسرتها نغمة خاصة تليق بلونه؛ فشقيقها الأكبر ينتمي لحماس، ونغمته حمساوية، أما الثاني فهو مؤيد لفتح، وبالتالي اختارت له نغمة تناسبه, أما خالها فجهاد إسلامي، وله نغمته المميزة هو الآخر.
نغمات حزبية
داخل إحدى محلات بيع الهواتف المحمولة، يرفض الشاب "سامر" اقتناء أي هاتف محمول إلا بعد أن تُحذف كل النغمات "الحمساوية"، على أن تحل محلها أخرى "فتحاوية".
وعلامات التذمر على وجهه يقول: "أنتمي لفتح وأرفض أن أضع أي نغمة في هاتفي لا تعبر عني وعن ميلي الحزبي.. لذلك أريد هاتفي فتحاويا من نغماته حتى ثيماته".
صاحب المحل يلفت في حديثه لـ"إسلام أون لاين.نت" إلى أن أغلب الزبائن باتوا يختارون نغمات هواتفهم وفق لونهم الفصائلي.
ويعلق على هذا الوضع قائلا: "الشاب الذي يناصر حماس وينتمي إليها يُسارع إلى اختيار النغمات الحمساوية، ويرفض أي نوع آخر والعكس، وهذا ينطبق على باقي الفصائل الأخرى".
وما إن دخل "أبو مجد" السيارة مع صغيره، واستقر على مقعده خلف السائق, حتى اقترب منه طفله وهمس في أذنه: "بابا سائق السيارة يتبع للجهاد الإسلامي", وبنبرات الدهشة يسأله الأب: "وكيف عرفت؟؟", بابتسامة واسعة على ثغره يجيب الصغير: "لقد سمعت رنين هاتفه المحمول".
وتعتبر غزة، حيث يعيش أزيد من مليون ونصف المليون نسمة، من أكثر مناطق العالم اهتماما بالسياسة؛ وهو ما انعكس على طبيعة حياة سكانها وممتلكاتهم، كالهواتف الجوالة، وسلسلة المفاتيح, ونوتة المحاضرات".
شعب مُسيس
ولا تقتصر نغمات الهواتف المحمولة على اللون الحزبي والسياسي فقط في غزة، بل تواكب جميع الأحداث المحلية منها والعالمية؛ فبعض الشباب يخصصون نغماتهم للدفاع عن الرسول صلى الله عليه السلام، والبعض الآخر لنصرة المقاومة والمسجد الأقصى، وآخرون يدعون إلى الوحدة، وإعادة توحيد شطري الوطن (غزة والضفة).
"ياسر السيد" يرفض أن يحمل هاتفه المحمول أي نغمة حزبية تعبر عن تنظيم سياسي بعينه، ويفضل أن تكون رناته أناشيد روحانية تُحاكي هموم الوطن.
ويضيف لـ"إسلام أون لاين.نت": "ليس عيب أن ننتمي لحزب أو فصيل معين، فشعبنا الفلسطيني مسيس بطبعه.. ولكن يجب ألا ينعكس ذلك على نغمات هواتفنا وأشيائنا الشخصية".
في ليلة سمر جلس الصديقان "أحمد" و"حسام" يتبادلان النغمات عبر تقنية "البلوتوث"، فهما شغوفان بمتابعة أحدث صرعات الأناشيد الإسلامية وأجمل الرنات.
وعن عزوفه عن تخصيص نغمات ذات طابع سياسي يفسر "أحمد": "أحب أن أضع أناشيد عادية في جوالي ولا أفضل الحزبية منها.. فالنغمة تعبر عن شخصيتي وتفكيري وميولي.. ولا أحب أن يعرف كل الناس من أكون وما هو لوني".
للمناكفة فقط
"علا مهنا" الطالبة في جامعة الأزهر بمدينة غزة ترى أن ظاهرة النغمات السياسية باتت ملموسة في غزة، وأن بعض الشباب يستخدمونها لمناكفة بعضهم فقط.
وتضيف لـ"إسلام أون لاين.نت": "ولكن برغم ذلك فالنغمات السياسية والوطنية أفضل بكثير من تخصيص أخرى أجنبية وفاضحة تحمل في طياتها الكثير من الإساءة لإسلامنا وعروبتنا".
وتلتقط طرف الحديث صديقتها "ورد" قائلة: "صحيح أن النغمات السياسة طفت على السطح، ولكن هذا لا يمنع أن هناك فئة من الشباب تلهث خلف موضة المطربين وتصدح هواتفهم المحمولة بشتى الألحان والألوان".