مراهق يقع في معاص فيؤنبه ضميره.........
أن شاب في الثامنة عشرة من عمري أدرس في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية ، أحافظ على الصلوات إلا أنني أقع في بعض المعاصي المتعلقة بالشهوات وتتكرر مني مراراً . في البداية كنت أجاهد نفسي كثيراً وأحاسبها على ذلك ، ويصيبني قلق وحزن وتأنيب ضمير بعد فعلي لتلك المعاصي ، ثم مع الوقت ضعفت مقاومتي وصرت أبحث عن المبررات والمسوغات لعملي هذا حتى أني في المرحلة الأخيرة بدأت أسأل نفسي : ( إذا كانت المعاصي مقدرة من الله تعالى على عبده فلماذا يعاقب العبد عليها ؟) . ورغم أن هذه التساؤلات تقلل أحياناً من تأنيب الضمير لدي إلا أنها تزيدني قلقاً وحيرة . أرجو إفادتي وفقكم الله .
** أنت تعيش مرحلة الشباب وهي مرحلة يتخللها الكثير من التغيرات الجسدية والنفسية والفكرية ويكون الشاب فيها مليئاً بالطاقات المختلفة التي قد تضعف إرادته في ضبطها وحسن توجيهها خاصة ما تعلق منها بأمور الشهوة . ولذا فإن الأمر يحتاج منك إلى شيء ن الصبر والمصابرة ومقاومة النفس وإبعادها عن المغريات والمثيرات ، كي تتمكن من توجيه طاقتك وقدراتك إلى ما يعود عليك وعلى أهلك ومجتمعك وأمتك بالخير والنفع . وما يصيبك من قلق وحزن وتأنيب ضمير بعد ارتكاب لتلك المعاصي أمور طبيعية وردة فعل متوقعة لمن لديه ضمير حي وقلب يقظ يحاسب صاحبه على التقصير ، وليست هذه من قبيل الأمراض النفسية , بل هي علامات صحية تدل على وفرة المشاعر الحية لديك.
أما التساؤلات التي بدأت تطرأ عليك مؤخراً حول المعاصي والعقاب ، فهي من الحيل النفسية التي يلجأ إليها بعض الناس لتسويغ مواقفهم وتصرفاتهم الخاطئة أمام أنفسهم أو أمام الآخرين ، وتقليل القلق الداخلي الذي ينتابهم بسبب مواقفهم أو تصرفاتهم تلك .
وهذه التساؤلات تعد من الشبه في القدر ، التي سبق أن عرضت ( ولا تزال تعرض ) لكثيرين غيرك وسبق أن تصدى لها العلماء بالرد والنقد ووضحوا جوانب اللبس فيها ، ومما ذكره أهل العلم في الرد على هذه الشبهة :
أن الله تعالى ليس بظلام للعبيد فلا يعاقب العبد على المعاصي بمجرد أنه كتبها عليه ، بل لا يعاقبه إلا بعد فعله إياها مختاراً غير مجبر ولا مكره .
أن الله تعالى قد جعل للعبد إرادة واختياراً ، ولم يجعله مجبراً على فعل المعاصي ، بل أمده بقدرة وعقل يميز به الخير والشر كما قال تعالى " وهديناه النجدين " أي طريق الخير وطريق الشر ، وكما قال تعالى :" ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها "
إن الله تعالى خلق العباد على فطرة التوحيد ، وأرسل لهم الرسل ، وبين لهم الشرائع ، وفضل لهم الحلال والحرام ، وأخبرهم بعقوبة المعاصي وثواب الطاعات ، وجعل الشهوات امتحاناً لهم لميز المطيع من العاصي ، كما قال تعالى " قد أفلح من زكاها ،وقد خاب من دساها " وهذا كله مقتضى عدله سبحانه وحكمته ، فأنت المسؤول عما تقع فيه من المعاصي ، ولومك للقدر هروب من مواجهة النفس بتقصيرها ومحاولة للاستمرار في أمور تضعف النفس عن مواجهتها . وبدلاً من الاستمرار في لوم القدر ، يمكنك أن تبدأ طريق الإقلاع عن المعاصي من خلال :
الاستمرار في الاستغفار والتوبة والإنابة مهما تكررت منك الزلات ، لأن في تكرار رجوعك إلى الله تعالى راحة للنفس وطمأنينة للضمير ودوام اتصال بالله تعالى ، ولن يمل الله سبحانه من كثرة رجوعك وتوبتك مهما كثرت خطاياك ، كما في حديث أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( قال الله تعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ) ( رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ) وينبغي ألا نفهم من الحديث إفساح المجال لك للوقوع في المعاصي والاستمرار فيها ، بل لتتخذ منه أملاً في أن باب التوبة مفتوح في كل لحظة أمامك لتدلف منه .
اتصل بصحبة طيبة تعينك على توجيه طاقاتك فيما يعود عليك وعلى مجتمعك بالنفع والخير ، وتقلل من أوقات الفراغ التي هي مظنة الوقوع في المعاصي ، وتكتسب منهم المزيد من الأخلاق الحميدة والصفات الخيرة .
أكثر من الإطلاع على ما ينفعك من كتب العلم الشرعي سواء في العقيدة ( خاصة باب القدر ) والأمور الفقهية والأخلاق والآداب الشرعية ، وفيها تتسع مداركك وتفهم عظمة دينك ( دين الإسلام ) وسماحته وعدله وتمشيه مع الفطرة وتلبيته حاجات الناس ، ويزول عنك الاشتباه والإشكال أياً كان ، وفقك الله وأعانك .