الدكتور منصور أبوشريعة العبادي
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
صورة بالأقمار الصناعي للصخرة التي يعتقد انه خرجت منها ناقصة نبي الله صالح
لقد ذكرنا في مقالة سابقة بعنوان "وثمود الذين جابوا الصخر بالواد" أن
الوصف القرآني لمساكن قوم ثمود أو ما سمي بمدائن صالح جاء مطابقا لما
أظهرته الصور المأخوذة من الجوجل إيرث لهذه المساكن. فمدائن صالح كما
وصفها القرآن الكريم تقع في واد واسع يمتد من الشمال إلى الجنوب و يبلغ
أقصى عرض له ما يقرب من خمسة عشر كيلومتر ثم يضيق وهو يتجه إلى الجنوب إلى
أن يصل إلى أقل من كيلومتر عن مدينة العلا التي تقع إلى الجنوب من المدائن
على بعد عشرين كيلومتر. ويحيط بهذا الواد سلاسل جبلية شاهقة فالسلسلة
الغربية الشمالية من الواد يصل إرتفاعها إلى ألف وخمسمائة متر عن سطح
البحر بينما يصل ارتفاع السلسلة الجنوبية الشرقية إلى ألف متر أما ارتفاع
أرض الواد المنبسطة فيبلغ ثمانمائة متر عن سطح البحر. وفي هذه المقالة
سنقوم بالاستعانة بصور الجوجل إيرث والمواصفات المذكورة في تفاسير القرآن
الكريم للصخرة التي خرجت منها الناقة بتحديد مكان هذه الصخرة.
فقد جاء في تفاسير القرآن الكريم من أن الناقة التي أرسلها الله سبحانه
وتعالى كآية إلى قوم ثمود قد خرجت من صخرة عظيمة تقع منفلردة في ناحية
الحجر. وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوماً في ناديهم فجاءهم رسول
الله صالح فدعاهم إلى الله وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم فقالوا له: إن أنت
أخرجت لنا من هذه الصخرة - وأشاروا إلى صخرة هناك - ناقة من صفتها كيت
وكيت وذكروا أوصافاً سموها ونعتوها وتعنتوا فيها، وأن تكون عشراء، طويلة
من صفتها كذا وكذا فقال لهم النبي صالح عليه السلام: أرأيتم إن أجبتكم إلى
ما سألتم على الوجه الذي طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت
به؟ قالوا: نعم. فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك. ثم قام إلى مصلاه فصلى
لله عز وجل ما قدر له ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا فأمر الله
عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء على الوجه المطلوب الذي
طلبوا أو على الصفة التي نعتوا فلما عاينوها كذلك رأوا أمراً عظيماً
ومنظراً هائلاً وقدرة باهرة ودليلاً قاطعاً وبرهاناً ساطعاً فآمن كثير
منهم واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم.
وقد
يسأل سائل عن المصدر الذي استقى منه المفسرون هذه الروايات عن مواصفات
الصخرة وكذلك الناقة والطريقة التي عقرت بها وحتى أسماء الأشخاص الذين
تآمروا على قتلها. والجواب على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قص
على أصحابه كثيرا من تفصيلات قصة صالح عليه السلام مع قومه عند مروره
بالحجر في طريقه إلى تبوك وقد حفظها من حفظها ونسيها من نسيها. فقد روى
أبو الزبير عن جابر قال : لما نزلنا الحجر فغزا رسول الله صلى الله عليه
وسلم تبوك ، قال : « أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَسْأَلُوا عَن هَذِهِ الآياتِ [ هؤلاء ]
قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا نَبِيَّهُم أَن يَبْعَثَ اللَّهُ لَهُم آيَةً ،
فَبَعَثَ اللَّهُ لَهُم نَاقَةً فَكَانَتْ تَرِدُ مِن ذَلَكِ الفَجَ
فَتَشْرَبُ مَاءَهُم يَوْمَ وُرُودِهَا وَيَحْلِبُونَ مِنْهَا مِثْلَ
الَّذِي كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْهَا يَوْمَ غِبِّهَا وَيَصْدِرُونَ عَن
ذَلِكَ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَنَبِئّهُمْ أَنَّ الْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُم} » الآية.
وروى البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر
في غزوة تبوك أمرهم ألا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها فقالوا: قد عجنا
واستقينا فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا
ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي تردها الناقة.
ويتبين
لنا من هذه الأحاديث أنه إذا كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد حدد
الفج الذي كانت تدخل منه الناقة والبئر التي كانت تشرب منه فلا يستعبد أن
يكون قد حدد الصخرة التي خرجت منها وكذلك بقية التفاصيل المتعلقة بها وقام
الصحابة بتداولها كروايات دون نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما
مواصفات الصخرة فسنستخلصها من كتب التفسير ثم نقوم بمقارنتها بمواصفات
الصخور الموجودة في الوادي اعتمادا على صور الجوجل إيرث. فقد جاء في تفسير
ابن كثير ما نصه "وفي الصحيح عن ابن عمر أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم على الحجر أرض ثمود، فاستقوا وكانوا هم الذين سألوا صالحاً
أن يأتيهم بآية واقترحوا عليه بأن تخرج لهم من صخرة صماء عينوها بأنفسهم
وهي صخرة منفردة في ناحية الحجر يقال لها الكاتبة فطلبوا منه أن تخرج لهم
منها ناقة عشراء تمخض فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق لئن أجابهم الله
إلى سؤالهم وأجابهم إلى طلبتهم ليؤمنن به وليتبعنه فلما أعطوه على ذلك
عهودهم ومواثيقهم قام صالح عليه السلام إلى صلاته ودعا الله عز وجل فتحركت
تلك الصخرة ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء يتحرك جنينها بين جنبيها كما
سألوا". وإذا ما دققنا النظر في صورة الجوجل إيرث التالية نلاحظ وجود صخرة
عظيمة مغطاة بالسواد تقع منفردة في أعلى يمين الواد.
وهذه
الصخرة من الضخامة بحيث أنها أقرب لئن تكون جبلا صخريا وهي ذات شكل عجيب
مما يؤكد على الرواية التي تقول أن ثمود كانت تعبد آصنامها عندها. ويبلغ
أقصى طول للصخرة ألف وخمسمائة متر أما أقصى عرض لها فيبلغ 700 متر ويبلغ
أقصى ارتفاع لها مائة متر عن الأرض المحيطة بها. وسنسوق الآن الأدلة التي
تثبت أن هذه الصخرة هي التي أخرج الله منها الناقة التي أرسلها آية كدليل
على صدق سيدنا صالح عليه السلام.
فأول
هذه الأدلة أن الرواية تقول أن اسم هذه الصخرة هي الكاتبة وكما هو معروف
فإن الكتابة هي من أعمال اليد وإذا ما تفحصنا شكل الصخرة في الصورة
التالية نجد أنها على شكل كف اليد حيث يخرج من الصخرة ما يشبه أصابع اليد.
وفي الزمن الحاضر فإن الناس يسمون هذه الصخرة بجبل الحوار حيث أن حوار
الناقة قد عاد إليها بعد أن قتلت أمه وغاب فيها بعد أن رغى ثلاث رغيات وهي
عدد الأيام التي أمهل بها صالح عليه السلام قومه قبل أن يحل بهم العذاب.
أما الدليل الثاني فنستخلصه من قول الرواية أن الصخرة قد تحركت ثم انصدعت
عن الناقة وهذا ما تبينه الصورة حيث يظهر أن الصخرة قد أصابها خسف عند
أطرافها ويصل مقدار الخسف عند أحد الأطراف ما يقرب من ثمانين مترا. إن
خروج ناقة عظيمة الحجم كما ذكرت الروايات من قلب الصخرة لا بد وأن يحدث
تشوها في شكل الصخرة مما أدى إلى انهيار جوانبها ليتركها الله عز وجل
دليلا على ولادة الناقة من الصخرة.
والعجيب أنه لا يوجد بين صخور الواد إلا هذه الصخرة وصخرة آخرى على مقربة
منها قد أصابها الخسف مما يدل على أن حدثا ما قد أصاب هذه الصخرة وهو خروج
الناقة منها. أما الدليل الثالث فهو وجود فوهة بركانية ذات لون أسود على
قمة الصخرة وهي على شكل ناقة في حالة الجلوس. ويبلغ طول فوهة البركان ما
يقرب من خمسين مترا وعرضها ما يقرب من عشرين مترا. إن وجود فوهة بركانية
على مثل هذه الصخرة يثير كثيرا من التساؤلات عسى أن يجيب عليها الأخوة
المختصون في علوم الجيولوجيا. فالصخرة رغم كبر حجمها إلا أنها من غير
السهل أن تتحمل ثورة بركانية دون أن تتفتت من قوة الانفجار. أما التساؤل
الثاني فهو أن حدود فوهة البركان واضحة تمام الوضوح ولها شكل هندسي عجيب
وهو على غير أشكال الفوهات المعهودة كالدائرية والبيضاوية.
وأما التساؤل الثالث فهو غياب الحمم البركانية من حول الفوهة مما يعني أن
البركان قد ثار لفترة زمنية فصيرة وبقوة رهيبة دفعت بحممه بعيدا عن
المنطقة المحيطة به. وسأعرض هنا الطريقة التي عوقب بها قوم صالح بعد أن
كذبوا صالح وقاموا بقتل الناقة فقد تساعد على الإجابة على هذه التساؤلات.
فقد ورد في القرآن الكريم أن القوم قد عذبوا بالرجفة والصيحة وذلك في قوله
تعالى "وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ
آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ
فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا
فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ
فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا
فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ
(68)" هود وقوله تعالى "فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ
رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ
مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي
دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ
أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا
تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)" الأعراف.
وجاء
في تفسير ابن كثير ما نصه في تفسير هذه الآيات "وأصبح ثمود يوم الخميس وهو
اليوم الأول من أيام النظرة ووجوههم مصفرة كما وعدهم صالح عليه السلام,
وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة ووجوههم محمرة,
وأصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت ووجوههم مسودة,
فلما أصبحوا من يوم الأحد وقد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه
عياذاً بالله من ذلك لا يدرون ماذا يفعل بهم ولا كيف يأتيهم العذاب,
وأشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم, ففاضت
الأرواح وزهقت النفوس في ساعة واحدة". وكما هو معروف فإن ثورات البراكين
يسبقها غالبا زلازل وهذا ما حدث في منطقة الحجر فقد بدأت الأرض بالتزلزل
بشدة ثم ثارت البراكين من ثلاث مواقع وهي قمم جبلين يقعان غرب مدائن صالح
ومن الصخرة التي خرجت منها الناقة كما هو واضح من صورة الجوجل إيرث. وكما
ذكرنا سابقا فإن غياب الحمم البركانية حول فوهات البراكين الثلاث يؤكد على
أنها ثارت لفترة زمنية قصيرة جدا ولكن بشدة عالية جدا أحدثت صوت انفجار
هائل قطع قلوب القوم فماتوا لتوهم. إن هذا النوع من البراكين يسمى
بالبركان الراشق (spatter volcanoe) حيث أن معظم ما يخرج منه من مواد
تتكون من غازات مختلفة كبخار الماء وثاني أكسيد الكربون وعادة ما يتكون
حواف بارزة حول حافة البركان كما هو ظاهر في الصور.
ويتبين
من الصورة الأخيرة كيف أن الفوهة البركانية التي تقع على الجبل الذي يبعد
كيلومتر ونصف إلى الغرب من الصخرة لها نفس مواصفات الفوهة البركانية
الموجودة على الصخرة مما يؤكد أنهما حدثتا في نفس الوقت ويؤكد كذلك على
قوة ضغط الغازات المحبوسة بحيث أنها تفجرت في ثلاث مواقع متقاربة لا
تتجاوز عدة كيلومترات. أما ما يثير العجب فهو وجود البركان على هذه الصخرة
التي خرجت منها الناقة رغم وجود بركان كبير في الجبل المجاور كان بإمكانه
أن يحول دون ظهور يركان الصخرة ولكن الله أراد أن يري الناس عجائب قدرته
فانبجس البركان من نفس المكان الذي خرجت منه الناقة حيث أن خروج الناقة من
قلب الصخرة سبب ضعفا في قشرتها مما أدى إلى خروج جزء من الغازات المحبوسة
منها محدثة صوتا مدويا لا يمكن لبشر أن يتحمله وصدق الله العظيم القائل "إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)" القمر.