تابع تفسير القران الكريم .... من سورة البقرة ......
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ........ (100) ((أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ))، أي اليهود ((عَهْداً نَّبَذَهُ))، أي نقضه ((فَرِيقٌ مِّنْهُم))، أي جماعة ((بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)) وهذا إنكار عليهم في نقضهم عهود الأنبياء السابقة بإطاعتهم ونقضهم عهود رسول الله (صلى الله عليه وآله و سلم) في قصة نضير وقريضة، والمراد بالإيمان إما الإيمان بالعهود وإما الإيمان بالله ورسله وإما الإيمان بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما قال أكثرهم أن بعضهم آمن كعبد الله بن سلام .....
(101) ((وَلَمَّا جَاءهُمْ))، أي اليهود ((رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ)) كعيسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ((مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ)) من التوراة ((نَبَذَ فَرِيقٌ))، أي جماعه ((مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ)) من اليهود الذين أتاهم الله التوراة ((كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ))، وتركوا أوامره باتباع الأنبياء من بعد موسى ((كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ))، أي من أحكام التوراة الإيمان بالأنبياء واتباع الرسل .
(102) ((وَاتَّبَعُواْ)) عوض الكتاب السحر، فنبذوا الكتاب وراء ظهورهم، وراحوا يتعلقون بـ((مَا تَتْلُواْ)) وتقر ((الشَّيَاطِينُ)) والسحرة ((عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ)) بن داود (عليهما السلام)، حيث أن الشياطين على لسان السحرة على زمان سليمان كانوا يتلون السحر للناس، و"على" بمعنى "في" كما قال ابن مالك: "على للاستعلاء ومعنى في وعن"، أي أن اليهود أخذوا يتعلقون بالسحر الذي كان في زمان سليمان يريدون بذلك جلب الأموال والتقرب إلى الناس، وكانوا يقولون أن سليمان إنما أوتي الملك العظيم بسبب أنه كان يعمل بالسحر، فرد الله عليهم بقوله: ((وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ))، فإن السحر موجب للكفر ولا يخفى أن الكفر على نوعين كفر في العقيدة وكفر في العمل، فالكفر في العقيدة هو إنكار أصول الدين، والكفر في العمل هو ترك واجب أو فعل، ولذا شاع استعمال الكفر على ترك الأوامر <و>فعل النواهي كقوله تعالى: (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) في قصة الحـج، وقوله: (ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) في باب الشكر، وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة" وعد منها النمام ونحوه، وعلى أي حال فسليمان ما كان ساحرا ولم ينل ما نال بالسحر، وإنما بالنبوة والموهبة الإلهية، ((وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ)) بعملهم بالسحر وتعليمهم للناس إياه، والشياطين أرواح شريرة تلقي الشر في النفوس، كما ثبت في العلم الحديث أيضا وغيره في باب التحضير والتنويم المغناطيسي، ((يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ))، والسحر أمور غير طبيعية تأتي بعلاج خفي ومنه التصرف في العين وفي النفس وفي العقل فيوجب عداوة بين الناس ومرضا وما أشبه، ((وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ)) عطف على قوله "ما تتلوا"، أي أن اليهود تركوا الكتاب واتبعوا سحر الشياطين وسحر الملكين ... ومن قصتهما أن بعد نوح (عليه السلام) كثرت السحرة، فأنزل الله ملكين في "بابل" على نبي ذلك الزمان حتى يعلما الناس إبطال السحر فكانا يقولان للناس: "هذا السحر وهذا إبطاله" كالطبيب الذي يكتب كتاب الطب فيصف الداء وما يسببه والدواء المزيل له فيقول مثلاً أن الشيء الفلاني سم ودوائه كذا فكان الملكان يعلمان السحر وإبطاله، ويحذران الناس أن يعملوا بالسحر، وإنما يصران أن يبطلوا السحر، فإذا تعلم منهما الناس أخذ بعضهم بالسحر - كما أن الشخص يقرأ كتاب الطب فيسقي الناس السم لم يكن ذلك من ذنب المؤلف للطب وإنما هو من العامل بما يضر الناس ... فقد ترى اليهود كتاب الله وأخذوا بالعلم الذي أَنزَل - أي أنزل الله - على الملكين الذين نزلاً ((بِبَابِلَ)) وهما ((هَارُوتَ وَمَارُوتَ))، ولا يظن أحد أنهما كيف يعلمان السحر للناس وهما ملكان من قبل الله تعالى، ((وَ)) ذلك لأنه ((مَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ))، أي ما يعلمان أحد السحر ((حَتَّى يَقُولاَ)) له ((إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ)) وامتحان لك، وكان تعليم للعلاج لا للإضرار، ((فَلاَ تَكْفُرْ)) بأعمال السحر، ((فَيَتَعَلَّمُونَ))، أي الناس ((مِنْهُمَا))، أي من الملكين ((مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)) وما يوجب العداوة والبغضاء بين الزوجين مما يؤول إلى الفراق والطلاق، ((وَ)) لا يتوهم أن الأمر خرج من يد الله سبحانه، كلا بل إنما شاء الله أن يختبر عباده كما أنه حين يخلق العنب، ويعطي القدرة للبشر، فيعصره خمراً، لا يخرج الأمر من يده سبحانه، بل إنما ذلك للامتحان والابتلاء، ولهذا قال سبحانه: ((مَا هُم))، أي الملكان ومتعلم السحر منهما ((بِضَآرِّينَ بِهِ))، أي بسبب السحر ((مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ))، فإن شيئا لا يؤثر في شيء إطلاقا إلا بإذن الله، ومعنى إذنه أنه يخلي بين المؤثر والمتأثر ولو لم يخل كان عالم الجبر وبطل الامتحان والاختبار، والمراد بهذه الجملة أن شيئا لا يخرج من إرادة الله سبحانه حتى أن يتمكن من الردع لكنه لا يردع، ((وَيَتَعَلَّمُونَ))، أي يتعلم الناس من الملكين ((مَا يَضُرُّهُمْ))، أي الشيء الذي يضرهم في دنياهم ودينهم ((وَلاَ يَنفَعُهُمْ))، أكد بذلك رداً لزعمهم أن السحر ينفعهم حيث يوصلهم إلى إعراضهم ((وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ))، أي علم هو المتعلمون للسر <للسحر> أن من اشترى السحر وباع دينه ((مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ))، أي من نصيب، ((وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ))، فإنهم أعطوا نفسهم للنار مقابل اشتراء السحر الذي زعموا إنه ينفع دنياهم، ((لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ))، نّزَّل العالم بالشيء منزلة الجاهل حيث لم يعمل بعلمه فإن من لا يعمل بعلمه هو والجاهل سواء .....
(103) ((وَلَوْ أَنَّهُمْ))، أي اليهود بدل اتّباع السحر ((آمَنُواْ)) حقيقةً ((واتَّقَوْا)) عن فعل المعاصي ((لَمَثُوبَةٌ))، أي ثواب ((مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ)) لهم في دنياهم وآخرتهم ((لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ))، لكنهم حيث لا يعملون بذلك فإنهم لا يعلمونه .....
(104) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ)) للرسول حين تكلمتم معه ((رَاعِنَا))، فإن راعنا في اللغة العربية من المراعاة والرعاية، ولكنها في لغة اليهود بمعنى "أسمعت لا سمعت"، فهو سب ودعاء على المخاطب، وقد كانت اليهود اغتنمت هذه الكلمة المتشابهة لسب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا العنوان، فكانوا يأتون إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويقولون له: "راعنا"، يريدون بذلك سبه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنهى الله المسلمين عن هذه النقطة حتى لا يتمكن اليهود من التكلم بهذه الكلمة، ((وَقُولُواْ)) عوض ذلك ((انظُرْنَا))، أي انظر إلينا بنظرتك الرحيمة، ((وَاسْمَعُواْ)) أيها المؤمنون أوامرنا وأوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ((وَلِلكَافِرِينَ)) من اليهود الشمّاتين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت ستار لفظة "راعنا" ((عَذَابٌ أَلِيمٌ))، أي مؤلم في الآخرة .......
(105) ((مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)) من اليهود والنصارى والمجوس ((وَلاَ)) من ((الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن)) قِبَل ((رَّبِّكُمْ))، سواء كان معنوياً كالنبوة والإرشاد والوحي أو مادياً كالغلبة والنصر والمال، ((وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء))، فليس إرادة الله تبعاً لإرادة الكفار والمشركين، ((وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ))، فليس فضله خاصاً بقوم من الكفار كما كانت اليهود تزعم أن النبوة فيهم دون غيرهم ....
(106) ((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ)) بأن نرفع حكمها، ونجعل مكانها حكماً آخر ((أَوْ نُنسِهَا)) بأن نرفع رسمها، ونبلي عن القلوب حفظها، والنسيان له <لا؟؟> يقع بالنسبة إلى القرآن الكريم وإنما بالنسبة إلى الكتب السالفة، ولذا لا يوجد كثير منها فعلاً، أما النسخ فإنه وقع بالنسبة إلى القرآن - على الأَشْهَر - وإلى غيره، ((نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)) وإنما يقع النسخ والإنساء فيما يؤتى بالمثل، لأن المثل أصلح من المنسوخ والمنسي، فمثلاً إذا سقطت ورقة مالية عن الاعتبار فيأتي الحاكم بورقة أخرى مثلها في القيمة كما يأخذ درهماً من زيد ليعطيه بدله ديناراً، ((أَلَمْ تَعْلَمْ)) أيها اليهودي المنكر للنسخ ((أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))، فإن اليهود كانوا يلقون الشبهة بأنه كيف يمكن نسخ كتابهم بالقرآن، وإنه إن كان كتابهم صالحاً فلماذا يُنسخ، وإن لم يكن صالحاً فلماذا أنزله الله تعالى، وقد كان الجواب أن عدم النسخ إما لعدم مثل أو أصلح وإما لعدم قدرة الله تعالى على النسخ، وكلا الأمرين مفقودان، فالمثل والأصلح موجودان، والله على كل شيء قدير ....
(107) ((أَلَمْ تَعْلَمْ)) أيها المنكر للنسخ ((أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))؟ فيتصرف فيما يشاء من الأوضاع والأحكام كيف يشاء. ((وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ))، أي من غير الله ((مِن وَلِيٍّ)) يلي أموركم ((وَلاَ نَصِيرٍ)) ينصركم، فهو سبحانه صلاحكم في النسخ والإنساء، فإن المصالح تختلف حسب اختلاف الأعصار والأشخاص، ولقد كان شأن آيات الله أن تنهض بالبشر مرتبة فمرتبة حتى وصلت النوبة لرسالة الإسلام، وهذه بُدلت بعض جزئياتها قبل تمامها وكمالها تحقيقاً للتناسق بين الرسالة وبين العصر حتى إذا كملت لم يبق مبرر أو تحوير بل تبقى إلى الأبد ....