منتدى جامعة الأقصى

 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات 837438
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة

يشرفنا دخولكم على هذا المنتدى
يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات 61195 شكرا تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات 61195
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات 3390 ادارة المنتدي  تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات 3390
منتدى جامعة الأقصى

 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات 837438
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة

يشرفنا دخولكم على هذا المنتدى
يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات 61195 شكرا تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات 61195
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات 3390 ادارة المنتدي  تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات 3390
منتدى جامعة الأقصى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أهلا و سهلا بك يا ツزائر نورت منتدى جامعة الأقصىツ
 
الرئيسيةجامعة الأقصىأحدث الصورخدمات الطلابالجامعة في صور تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Spktsإرسال استسفار للمديرتقدم بشكواك هنا وسنقوم بالرد عليك برسالة بريد الكترونيالتسجيلدخول
...



 More Twitter Facebook
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
تحدث مع إدارة المنتدى
عندما تكون الأيقونة
 باللون الأخضرأكون متواجداً
بإمكانك النقرعليها لمحادثتي
إذا كان لديك استفسار
 
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
صندوق الشكاوي
إذا كان لديك
شكوى ضعها
لنقم بالاجابة
عليها
المواضيع الأخيرة
» عذراً لكل من اخطأت بحقه .. دعوة للتسامح أعتذر لكل من أخطأت بحقه بقصد أو بغير قصد
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالخميس 19 أغسطس 2021, 9:43 pm من طرف نــدى الأيـــااااااام

» الدكتور : غازي ابو خماش .
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالأربعاء 09 يونيو 2021, 2:37 pm من طرف noor maha

» دور الانترنت في تطوير البحث العلمي
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالثلاثاء 02 فبراير 2021, 2:01 pm من طرف noor maha

» دور الانترنت في تطوير البحث العلمي
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالأحد 31 يناير 2021, 2:54 pm من طرف noor maha

» دور الإنترنت في تطوير البحث العلمي
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالخميس 17 ديسمبر 2020, 2:54 pm من طرف noor maha

» دروس في قواعد اللغة الانجليزية لكل المستويات
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالأحد 04 ديسمبر 2016, 11:25 pm من طرف ميوسة الملفوح

» دورالتربية العربية في مواجهة الفكر التربوي في إسرائيل
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالسبت 30 يناير 2016, 4:07 pm من طرف dr.ahmed

» التربية الإسلامية في مواجهة التحديات
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالسبت 30 يناير 2016, 3:19 pm من طرف dr.ahmed

» دور التربية في تصحيح مفاهيم العولمة
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالجمعة 29 يناير 2016, 5:26 pm من طرف dr.ahmed

» الإنترنت ودوره في تطوير البحث العلمي
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالثلاثاء 26 يناير 2016, 10:50 pm من طرف dr.ahmed

» التربية الإسلامية وتحديات العصر
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالإثنين 25 يناير 2016, 9:46 pm من طرف dr.ahmed

» معالم التغير التربوي لدي سيد قطب من خلال كتاباته
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالإثنين 25 يناير 2016, 9:09 pm من طرف dr.ahmed

» الإنترنت ودوره في تطوير البحث العلمي
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالسبت 23 يناير 2016, 10:50 pm من طرف dr.ahmed

» الإنترنت ودوره في تطوير البحث العلمي
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالسبت 23 يناير 2016, 9:49 pm من طرف dr.ahmed

» قلق الاختيار في العلاقة ببعض المتغيرات المرتبطة بطلبة وطالبات الثانوية العامة
 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالأربعاء 23 ديسمبر 2015, 8:59 pm من طرف dr.ahmed

مواضيع هامة

زوار المنتدى
free counters
لإعلاناتكم
 
لإعلاناتكم
يرجى مراسلتنا
 
 

 

  تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
قمر فلسطين
+ عضو محترف +
+ عضو محترف +
قمر فلسطين



 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات    تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالجمعة 11 فبراير 2011, 10:31 am

تابع تفسير سورة البقرة .... [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] .... (256)((لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)) فإنّ الله لم يُلجأ الخلق الى إعتناق الدين بل جعل فيهم الإختيار والإرادة فإن شاؤوا دانوا وإن لم يشاؤوا لم يدينوا ((قَد تَّبَيَّنَ))، أي وضح ((الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ))، أي الهداية من الضلالة والإيمان من الكفر والحق من الباطل ((فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ)) وهو كل ما يُعبد من دون الله ((وَيُؤْمِن بِاللّهِ)) وحده، وقدّم نفي الكفر لأن النفي مقدّم على الإثبات كما قدّم في كلمة (لا إله إلا الله) ((فَقَدِ اسْتَمْسَكَ))، أي تمسّك واعتصم وأخذ ((بِالْعُرْوَةِ)) وهي المسكة لمثل الكوز ((الْوُثْقَىَ))، أي الوثيقة التي لا تنفصل فقد شبّه الخير بإناء للسقي أو الطعام له عروة فالإيمان بالله عروة وثقى للخير لأنه ((لاَ انفِصَامَ لَهَا)) ولا إنقطاع بل يدوم الإستفادة من الخير بسبب الإيمان في الدنيا والآخرة بينما الإيمان بالطاغوت عروة واهية تنفصم إذا فارق الإنسان الحياة الدنيا ينقطع الخير الذي يناله الإنسان -فرضاً- بسبب الكفر ((وَاللّهُ سَمِيعٌ)) لأقوالكم ((عَلِيمٌ)) بنيّتكم وأعمالكم .....
( 257)((اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ)) يلي أمورهم وينصرهم ويُعينهم ((يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ)) ظلمات الحياة ومشاكلها، من ظلمة العقيدة، وظلمة القول، وظلمة الدنيا كلها ((إِلَى النُّوُرِ)) نور الهداية، ونور الآخرة ((وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ))، أي إن جنس الطاغوت يكون أولياء يكون أولياء لهم، فإن الطواغيت من الجن والإنس يتولّون أمورهم وضلالهم وحيث أن الطاغوت أُريد به الجنس جاز الإتيان بصيغة الجمع في "أوليائهم" صفة له ((يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ)) الكامن في فطرتهم، ومن نور الدنيا ((إِلَى الظُّلُمَاتِ)) ظلمات الكفر والضلال في الدنيا، وعذاب الله في الآخرة ((أُوْلَئِكَ)) الذين كفروا ((أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) الى الأبد فلا منجي لهم ولا مخلّص ....
( 258)سبق الحديث عن الإيمان والكفر، فلتناسب المقام قصة حوار حول هذا الموضوع بين إبراهيم (عليه السلام ) ونمرود ((أَلَمْ تَرَ))، أي ألم تعلم، وقد تقدّم أن هذه العبارة تذكر لإفادة العلم ((إِلَى الَّذِي حَآجَّ)) من المُحاجّة بمعنى المجادلة والمخاصمة ((إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ))، أي في باب رب إبراهيم (عليه السلام) الذي كان يعبده، أو رب الذي حاجّ وإن كان الأول أقرب ((أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ))، أي حيث أنّ الله أعطى نمرود المُلك والسلطة بطر فأنكر وجود الخالق وجعل يجادل نبيّه إبراهيم (عليه السلام) حول وجود الله سبحانه فقد قابل الإحسان بالإساءة ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)) في جواب نمرود حيث قال له: مَن ربُّك؟، والمراد بالإحياء إحياء الجماد فإنّ كلّ حي أصله التراب والماء إذ التراب بسبب الماء ينقلب عشباً والعِشب ينقلب نطفة إنساناً أو حيواناً ((قَالَ)) نمرود ((أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)) فأخرج نفرين من حبسه وضرب عنق أحدهما وأطلق الآخر وكان هذا مغالطة من نمرود إلا إنّ إبراهيم (عليه السلام) أراد أن يلزمه بحجّة لا يتمكن حتى من المغالطة فيها فـ ((قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ)) هكذا يظهر للأبصار سواءً دارت هي أو دارت الأرض كما يقوله بعض علماء الفلك ((فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)) إن كُنتَ إلهاً خالقاً ((فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ))، أي تحيّر نمرود ولم يحر جواباً ((وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) الذين ظلموا أنفسهم بتعاميهم عن الحق فإنه سبحانه لا يلطف لطفه الخاص بمثل هؤلاء وإن أتمّ عليهم الحجة وأراهم الطريق ...
( 259)((أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ))، أي ألم ترالى الذي مرّ على قرية، والمعنى إن شئت فانظر الى الذي حاجّ وإن شئت فانظر الى الذي مرّ على قرية وهو عُزير النبي (عليه السلام) أو أرميا ((وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا))، أي ساقطة حيطانها على سقوفها وأهلها موتى والسباع تأكل الجيف ففكر في نفسه ساعة ((قَالَ أَنَّىَ))، أي كيف ((يُحْيِي هَذِهِ)) الأموات ((اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)) وكان ذلك منه تعجباً لا إنكاراً ((فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ)) حتى بلي ونخرت عظامه ((ثُمَّ بَعَثَهُ)) أحياه كما كان ((قَالَ)) الله سبحانه له بإيجاد صوت في الجو ((كَمْ لَبِثْتَ)) في مبيتك ومنامك ((قَالَ)) النبي ((لَبِثْتُ يَوْمًا)) ثم نظر فإذا هو نام صباحاً والآن قبل غروب الشمس فأضرب قائلاً ((أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ)) الله سبحانه ((بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ)) وقد كان معه طعام وشراب وحمار، فكان الطعام والشراب باقيين كما هما وكان الحمار قد مات وتفرقت عظامه ونخرت دلالة على كمال قدرة الله سبحانه ((فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ)) لم تغيّره السنون، والإتيان بلفظ المفرد باعتبار كل واحد منهما ((وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ)) كيف مات ونخرت عظامه ((وَلِنَجْعَلَكَ)) أيها الرسول ((آيَةً لِّلنَّاسِ))، أي حُجّة حيث أحييناك بعد مائة عام حتى يعرف الناس أنّ الله قادر على بعث الأموات ((وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ)) لحمارك المتفتتة ((كَيْفَ نُنشِزُهَا))، أي كيف نرفع بعضها الى بعض لنركّب منها الهيكل العظمي للحمار ((ثُمَّ نَكْسُوهَا))، أي نلبس العظام ((لَحْمًا)) حتى يستوي حماراً حيّاً ((فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ))، أي وضح له إحياء الأموات عياناً ((قَالَ)) النبي ((أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))، أي علماً عيانياً وإلا فقد كان يعلم ذلك قبل السؤال .....
( 260 )((وَ)) اذكر يارسول الله ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى)) فإنه (عليه السلام) رأى جيفة تمزّقها السباع فيأكل منها سباع البر وسباع الهواء ودواب البحر فسأل الله إبراهيم فقال: يارب قد علمت أنك تجمعها من بطون السباع والطير ودواب البر فأرني كيف تحييها لأُعاين ذلك ((قَالَ)) الله سبحانه ((أَوَلَمْ تُؤْمِن)) على نحو إستفهام التقرير، ليقول آمنت، كقوله: "ألستم خير من ركب المطايا" ((قَالَ)) إبراهيم (عليه السلام) ((بَلَى)) أنا مؤمن ((وَلَكِن)) أسأل ذلك ((لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)) ويكون يقيني عين اليقين فإن الإنسان الذي يعلم أن النار -مثلاً- حارة، يسمى ذلك علم اليقين، فإذا رآها سمّي حق اليقين، فإذا أدخل يده فيها فاحترقت سمّي عين اليقين، وورد أنه (عليه السلام) علم أنّ الله يتخذ عبداً له خليلاً إذا سأله إحياء الموتى أحياها فأراد أن يطمئن أنه هو ((قَالَ)) الله سبحانه ((فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ)) الطاووس والحمام والغراب والديك فاذبحهنّ وقطّعهنّ واخلطهنّ بعضاّ ببعض ((فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ)) من صرته بمعنى قطعته و(إليك) إنما هو من مستلزمات القطع، فإنّ الإنسان إذا أراد أن يقطع شيئاً قطعاً جيداً ويخلطه لابد وأن يجذبه إليه ولعله كناية عن القطع الجيد والتخليط البالغ ((ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ)) من عشرة جبال ((مِّنْهُنَّ جُزْءًا)) وإنما ذلك يدل على أن الأجزاء الميتة تجتمع من محلات متباعدة وقت الحشر ((ثُمَّ ادْعُهُنَّ)) بأن تأخذ بمنقار كل واحد من الطيور الأربعة في يدك وتدعوه باسمك ((يَأْتِينَكَ)) يجتمع الأجزاء من الجبال ((سَعْيًا)) مسرعات ((وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ)) لا يمتنع عليه شيء ((حَكِيمٌ)) فيما يفعل فلا يفعل شيئاً إعتباطاً وعبثاً، ففعل إبراهيم (عليه السلام) ذلك فتطايرت الأجزاء بعضها الى بعض حتى استوت الأبدان وجاء كل بدن حتى نظم الى رقبته ورأسه فأطلقها إبراهيم (عليه السلام) فطرن فالتقطن الحب وشربن الماء ثم دعون لإبراهيم (عليه السلام) ...
( 261)تقدّم الكلام في الآيات السابقة عن من يقرض الله قرضاً حسناً، ثم تخلّل الكلام دليل التوحيد والرسالة والمعاد والآن يرجع السياق الى الإنفاق ((مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)) لا رياءً أو سمعة وشهرة ونحوها ((كَمَثَلِ حَبَّةٍ)) من الحنطة أو الشعير أو نحوهما ((أَنبَتَتْ))، أي أخرجت ((سَبْعَ سَنَابِلَ)) جمع سنبلة وهي مجمع الحبّات ((فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ)) فتكون النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف ((وَاللّهُ يُضَاعِفُ))، أي يزيد كل سبعمائة ((لِمَن يَشَاء)) من عباده من المنفقين ((وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) يسع علمه وقدرته يعلم المنفق والإنفاق، وقد مثّل الإنفاق بهذا ليكون أوقع في النفس وأكثر في التأثير والتشويق ....
( 262)ثم ذكر شرطاً آخر للإنفاق المثمر الموجب للأجر بقوله تعالى ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ))، أي لا يعقبون ((مَا أَنفَقُواُ مَنًّا)) على المعطى له بأن يمنّ عليه في إنفاقه كأن يقول له أني أعطيتك فكُن شاكراً ((وَلاَ أَذًى)) بأن يؤذي المعطى له كأن يقول: إبتليت بفلان الفقير ((لَّهُمْ أَجْرُهُمْ)) وجزاء إنفاقهم ((عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)) من العذاب لأن من ينفق هكذا يكون مخلصاً في جميع أعماله أو لا خوف عليهم من فوت الأجر ((وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) وهو يحتمل الأمرين مثل "لا خوف" ....
( 263)((قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ)) بأن يرد به السائل نحو: "الله يعطيك" ((وَمَغْفِرَةٌ))، أي تجاوز عن السائل فيما إذا أساء ((خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى)) لأن الصدقة كذلك تجرح قلب السائل دونهما، ولأنها تتبع العقاب، لأن هكذا صدقة محرمة، بخلافهما ((وَاللّهُ غَنِيٌّ)) فلا يحتاج الى صدقاتكم أيها المعطون، وإنما أنتم تحتاجون إليها، فحثّ الله بالإنفاق لكم لا له ((حَلِيمٌ)) عن عقابكم بسبب صدقاتكم التي تتبع الأذى ....
( 264)((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ)) على السائل ((وَالأذَى)) له فإنّ فيها إبطالاً للصدقة من حيث الثواب فلا ثواب لها إبطالاً لها عن العُرف لأن مثل هذه الصدقة لا تُحسب جميلاً وإنما قبيحاً بشعاً، فإنّ من يُبطل صدقته بالمنّ والأذى فهو ((كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ)) لأجل أن يراه الناس فيمدحوه ((وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) بأن يكون الداعي له الى التصدّق أمر الله سبحانه أو ثواب الآخرة ((فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا)) الصفوان: الحجر الأملس، والوابل: المطر الشديد الوقع، والصلد من الأرض ما لا ينبت شيئاً لصلابته، فإنّ الإنسان الكافر كالحجر الصلب الذي لا يُرجى منه خير، وما يتحفّظ به ظواهره بمنزلة تراب على الحجر يظن الناس أنه محل قابل للنبت والصدقة التي يرائي بها كالمطر الشديد، فإنه إذا نزل بأرض صالحة كان مبعث الخير والنبات لكنه إذا نزل على الحجر المغطّى بالتراب إزال ترابه وأظهر صلادته وعدم قبوله لأي إنبات وعشب، وكذلك الكافر الذي يظن به الناس بعض الخير إذا أنفق رياءً ظهر على الناس حقيقته المنحرفة فتكون الصدقة -التي هي بذاتها سبب الخير والرحمة- مُعرّية لحقيقة الكافر البشعة، ومن ناحية أخرى أنها توجب سخط الله عليه أكثر من ذي بل فتكون مذهبة لما يظن أنها حسنة له من بعض أعماله الخيرية السابقة ((لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ)) من مكاسبهم السابقة لأن الصدقة برياء ذهب بها كما أن المطر يذهب بالتراب فلا يمكن إرجاعه وجمعه ((وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) فلا يلطف بهم اللطف الخاص لأنهم أسقطوا أنفسهم عن القابلية لجحودهم بعد أن عرفوا الحق ....
( 265)((وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ))، أي لأجل طلب رضى الله سبحانه ((وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ))، أي الأجل تثبيت أعمالهم الحسنة وتركيزها، تثبيتاً ناشئاً من أنفسهم فأنفسهم هي التي توصي بذلك، لا كالمرائي الذي يحمله على الصدقة رؤية الناس، فهذه الجملة "من أنفسهم" مقابل جملة (رئاء الناس) في الآية السابقة ((كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ))، أي بستان في مرتفع ((أَصَابَهَا وَابِلٌ)) مطر غزير ((فَآتَتْ))، أي أعطت ((أُكُلَهَا)) وثمرها ((ضِعْفَيْنِ)) فإنّ الإنسان المؤمن كالبستان الواقع في مرتفع حيث أنه يزهو للناس ويكون أقرب الى الإستفادة من الهواء والشمس والمطر، فإنّ المؤمن أقرب الى الخير فإذا تصدّق تكون صدقته كالمطر الذي إذا نزل بالبستان يوجب نمو ثمارها وإزدهار أشجارها ((فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ)) مطر غزير ((فَــ‏)) يكفي لأمارها وأنضارها ((طَلٌّ)) رذاذ من المطر قليل ((وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) فيجازيكم على أعمالكم إن رياءً وإن قُربة ...
(266)ولما مثّل سبحانه لصدقة كلّ من المؤمن والكافر، مثّل لصدقة المؤمن الذي يمنّ بصدقته فيُبطلها ((أَيَوَدُّ))، أي هل يجب ((أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ))، أي تحت أشجارها ((لَهُ فِيهَا))، أي في تلك الجنة ((مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ))، أي الشيخوخة ((وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء)) عاجزون عن كسب المأكل والملبس ((فَأَصَابَهَا))، أي أصاب الجنة ((إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ)) كلا! لا يحب أحد ذلك أنه في أشد أوقات حاجته، فهل يرضى إصابة النار بأثمن ما يملك؟، إنّ مثل من ينفق عن إيمان وإعتقاد مثل تلك الجنة، فإذا إمتنّ بعد ذلك أو آذى السائل يكون ذلك ناراً يحرق جنته في أشد أوقات حاجته، فإنّ الإنسان في أشد الحاجة الى خيره في الآخرة، فإذا إمتنّ بقي صفر اليدين هناك ((كَذَلِكَ))، أي كهذا البيان الذي بيّن أمر الصدقة وغيرها ((يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ)) بضرب الأمثال والمشوّقات ((لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)) فتستقيموا على الصراط المستقيم ....
( 267)((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ)) طيباً واقعياً بكونه حلالاً وظاهرياً بكونه جيداً ((وَمِن)) طيبات ((مَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ))، أي طيب مكسبكم وطيب ثماركم، فلا تنفقوا من الرباء ولا من الماء الآجن ولا من حشف الثمر -مثلاً- ((وَلاَ تَيَمَّمُواْ))، أي لا تقصدوا ((الْخَبِيثَ)) الحرام الرديء ((مِنْهُ تُنفِقُونَ)) للناس ((وَ)) الحال أنكم ((لَسْتُم بِآخِذِيهِ)) فإن أراد أحد إعطائكم من ذلك ما كنتم تأخذونه ((إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ))، أي تغمضوا عيونكم كراهة له، فإنّ الإنسان إذا إستبشع شيئاً غمض عينه حتى لا يراه، فكيف تنفقون مثل هذا الشيء الذي إذا أردتم أخذه غمضتم عينكم إستبشاعاً له ((وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ)) عن صدقاتكم فلا يأخذ إلا الطيب ولا يقبل إلا الحسن ((حَمِيدٌ))، أي مستحق للحمد على نعمه ومن حمده أن يعطي الإنسان الشيء الطيب في سبيله، فإن الإنسان إذا أرادتقدير شخص دفع إليه أحسن ما يتمكن لا أن يدفع إليه الرديء الخبيث ...
( 268)((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ)) إذا أردتم الإنفاق في سبيل الله ((وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء)) إذا أردتم الإنفاق يقول لكم أنفقوا من الرديء الخبيث، وهو قسم من الفحشاء، أو المراد به الأعمال القبيحة مطلقاً ((وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ)) فإنه يغفر ذنوبكم بسبب الصدقة وسائر المبرّات ((وَفَضْلاً)) فيخلف ما أنفقتموه ((وَاللّهُ وَاسِعٌ)) ليس ضيّق المقدرة حتى لا يتمكن من التعويض ((عَلِيمٌ)) بما تعطون فيُجازيكم بالحسن حُسناً وبالسيّء سيئاً ....
( 269)إن الإنفاق في سبيل الله من الطيب بلا رياء ولا منّ ولا أذى من الحكمة التي هي وضع الأشياء موضعها اللائق به والله سبحانه ((يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء)) ممن اه قابلية بما سبق أن أخذ الشريعة ((وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)) وأيّ خير أعظم من أن يعمر الإنسان دنياه وعقباه بأخذه بأوامر الله سبحانه وانتهاجه المنهاج المستقيم الموجب لسعادة النشأتين ((وَمَا يَذَّكَّرُ))، أي ما يتذكّر ولا يفهم ذلك ((إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)) أصحاب العقول فإنّ صاحب العقل هو الذي يتّبع ما ينفعه ويذر ما يضرّه ....
( 270)((وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ)) قليلة أو كثيرة، أي أية صدقة تصدّقتم بها ((أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ))، أي ما أوجبتموه على أنفسكم لله بسبب النذر ((فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ)) فيُجازيكم عليه ويكون ذلك سبباً للإحسان الى النفس ((وَمَا لِلظَّالِمِينَ)) الذين يظلمون أنفسهم بالشُح ومنع الصدقات الواجبة وحنث النذر والمنّ والأذى والرياء في الصدقة ((مِنْ أَنصَارٍ)) ينصرونهم ويخلّصونهم من عقاب الله ...
( 271)((إِن تُبْدُواْ))، أي تُظهروا ((الصَّدَقَاتِ)) حين إعطائها، بأن تُعطوها جهراً -بقصد القُربة لا قصد الرياء- ((فَنِعِمَّا هِيَ))، أي فنعم الشيء الصدقة الظاهرة فإنها توجب دفع التهمة وإقتداء الناس ((وَإِن تُخْفُوهَا))، أي الصدقات ((وَتُؤْتُوهَا))، أي تُعطوها سراً ((الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ)) لأنه أقرب الى القُربة وأبعد من الرياء وأحفظ لصون ماء وجه الآخذ ((وَيُكَفِّرُ))، أي يغفر ((عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ))، أي بعض ذنوبكم بواسطة إعطاء الصدقة فإنّ صدقة السر تُطفئ غضب الرب ((وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) فيُجازيكم على أعمالكم، فليس التصدّق سراً غائباً عن الله سبحانه بل هو بكل شيء عليم ....
( 272)إمتنع بعض المسلمون عن التصدّق الى غير المسلم فنزلت ((لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ)) فإنك لست مُجبوراً بأن تهديهم وإنما عليك الإرشاد والبلاغ ((وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء)) الى الصراط المستقيم، بإرائته الطريق، أو بإيصاله المطلوب ((وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ)) فإنه يعود نفعه الدنيوي والأخروي إليكم ((وَمَا تُنفِقُونَ))، أي ليس إنفاقكم ((إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ))، أي لأجله سبحانه، وأيّ شيء أحسن من أن يُنفق الإنسان في سبيل خالقه ومنعمه والمتفضّل عليه ((وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ))، أي يوفّر عليكم جزائه وثوابه ((وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)) فتُعطون جزاء إنفاقكم كاملاً غير منقوص، فالإنفاق لأنفسكم، وثوابه يعود عليكم، وهو في سبيل الله وما أجمل أن يُعطي الإنسان شيئاً يعود نفعه إليه ثم يُثاب به في الآخرة، ويرضى الله سبحانه عنه بذلك .....
( 273)ولما بيّن سبحانه فضل الصدقة عقبه بأحسن مصارفها بقوله سبحانه ((لِلْفُقَرَاء))، أي أن النفقة لهؤلاء ((الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ))، أي مُنعوا والذي منعهم هو أنفسهم، لأجل سبيل الله وطاعته، فقد نزلت الآية في أصحاب الصُفّة الذين تركوا كل شيء لأجل الإسلام وأَحصروا أنفسهم للعبادة والجهاد بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ))، أي ذهاباً فيها وعدم الإستطاعة إختيارية لا إضطرارية ((يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ))، أي يظنّهم الذي يجهل حالهم وباطن أمرهم ((أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ)) الإمتناع من السؤال فإنّ الناس إذا رأوا تعفّفهم ظنّوهم أغنياء لما عهدوا من سؤال الفقراء ((تَعْرِفُهُم))، أي تعرف أنهم فقراء ((بِسِيمَاهُمْ))، أي من وجوههم وأحوالهم الفقر عليها باد ((لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا))، أي كما هو شأن كثير من الفقراء، بمعنى أنه ليس منهم سؤال فيكون إلحافاً لا أنهم يسألون من غير إلحاف ((وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ)) كل شيء يُطلق عليه الخير من دار أو عقار أو درهم أو دينار أو غيرها ((فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ)) لا يفوته شيء فيُجازيكم جزاءً حسناً .....
(274)((الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً)) بالليل سرّاً وعلانية وبالنهار سرّاً وعلانية ((فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) إن الآية وإن كانت عامة إلا أنها نزلت في علي (عليه السلام) حيث كانت له أربعو دراهم فتصدّق باثنين منها نهاراً وسراً وعلانية وباثنتين ليلاً سراً وعلانية، وقد تقدم معنى (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ...
( 275)وحث كانت الآيات حول الإنفاق، ناسب السياق ذكر الربا، فإنه عكس الإنفاق إذ هو إستيلاء على أموال الناس من غير مبرر، بخلاف الإنفاق الذي هو إعطاء ماله للناس من غير مكسب وتجارة ((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا)) وأكله كناية عن أخذه وإن لم يتصرف فيه ((لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)) الرجل الذي مسّه الشيطان فصُرع وتغيّر حاله ودارت عينه وزال توازن جسده وزبد فمه إذا أراد أن يقوم لبقية ما فيه من الشعور يقوم بعض القيام بكل إنحراف وتأرجح ثم يسقط على الأرض، وهكذا الإنسان الذي يأكل الربا حتى إعتاد ذلك يكون أشبه شيء في عملية إنتهاب أموال الناس بمن تخبطه الشيطان الذي يريد أن يقوم فإنّ تفكيره تفكير منحرف كتفكير المطروح وعينه تنظر بزيغ الى أموال الناس كعين المصروع وفيه يلهج حول المال بانحراف كفم المصروع وإذا أراد أن يقوم من كبوته ويترك الربا ويأخذ بالجادة المستقيمة حول المال لا يلبث أن يسقط في الربا كما إعتاد من أكله ةصار الإبتزاز لمال الناس مَلَكَتُهُ، وهذا تشبيه رائع مفزع وهكذا يكونون هؤلاء يوم القيامة، فقد روى الإمام الصادق (عليه السلام) عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: "لما أُسري بي الى السماء رأيت أقواماً يريد أحدهم أن يقوم ولا يقدر عليه من عِظَم بطنه، فقلتُ: من هؤلاء ياجبرئيل؟، فقال: هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس،" وقد ثبت في العلم أن الأرواح الشريرة قد تدخل في الإنسان فتسبب به صرعاً ((ذَلِكَ)) الأكل للربا الذي إعتادوه ((بِـ)) سبب ((أَنَّهُمْ قَالُواْ)) ليس في أكل الربا بأس فـ (( إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا)) كلاهما تعامل برضى الطرفين ((وَ)) ليس كذلك فمنطقهم غلط فقد ((أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)) لما فيه من الفوائد ((وَحَرَّمَ الرِّبَا)) لما فيه من المضار، ويكفي أن نلمح الى ضرر واحد هو أن معطي الربا أما ساقته الضرورة الى الإقتراض كمرض أو نحوه مما أُلجأ للإقتراض برباء فما أقبح أن يستغل الإنسان أخيه في مثل هذا الموقع مما يجدر به أن يساعده ويسعفه، وأما إن إقترض للتجارة وهذا لا يخلو من أحد أحوال ثلاثة، الأول: أن يخسر، الثاني: أن لا يربح ولا يخسر وما أقبح في هاتين الصورتين أن يأخذ صاحب المال زيادة بينما خسر العامل في الأول ولم يربح في الثاني، الثالث: أن يربح وقد قرر الإسلام المضاربة والإشتراك في المربح فيما يُجبر المقترض أن يدفع بمقدار خاص الى المُقرِض بينما قد ربح بمقداره وقد ربح أقل وقد ربح أكثر ((فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ)) في تركه أخذ الربا ((فَانتَهَىَ)) وتاب ((فَلَهُ مَا سَلَفَ)) فإنّ كل ربا أكله الناس بجهالة وعدم علم بحرمته أو قبل الإسلام لا يُسترد منهم ((وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ)) سبحانه لا الى الناس حتى يقول من أعطاه الربا ردّ عليّ ما أخذت مني، أو أمره في قبول الله توبته إليه سبحانه ((وَمَنْ عَادَ)) الى الربا بعد النهي والإسلام ((فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) أبد الآبدين إلا أن يدركهم الله برحمته كما قال سبحانه (إنّ الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ...
( 276)((يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا))، أي يُنقصه ويتلفه ويهلكه فما ظن المرابي أنه سبّب زيادة أمواله يكون سبباً لهلاكه ونقصانه فإنّ الربا يسبّب غضب الناس وسخطهم على المُرابي مما يثير حرباً أو نهياً من الناس أو الحكومات لأمواله فيذهب الأصل والفرع ((وَيُرْبِي))، أي يُزيد ويُنمي ((الصَّدَقَاتِ)) فإنه وإن ذهب جزء من المال بالصدقة لكنها تسبّب حب الناس والتفافهم وتعاونهم مع المتصدّق مما ينجر الى زيادة أمواله، وهذا مع الغض عن المحق والنماء الخارجين عن الطبيعة مما يشائهما الله سبحانه بلا واسطة عادية ((وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ)) كثير الكُفر ((أَثِيمٍ))، أي مذنب وفي هذا دلالة على أن آكل الربا كفّار أثيم ...
( 277)((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ)) بالأصول الإعتقادية ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ)) بأن أتوا بالواجبات وتركوا المحرمات ((وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ)) تخصيص بعد التعميم لأهميتهما ((لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) وقد مرّ تفسير عدم الخوف وعدم الحزن ....
( 278)((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ)) خافوا من عقابه ((وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا)) مما كنتم تطلبونه قبل الإسلام، وقد رٌوي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: "أن الوليد بن المغيرة كان يُربي في الجاهلية وقد بقي له بقايا على ثقيف فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد أن أسلم فنزلت الآية ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) بالإسلام حقاً فإنّ المؤمن هو الذي يأتمر بالأوامر وينزجر بالزواجر ...
( 279)((فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ)) ولم تنقادوا الى هذا النهي بل أكلتم الربا بعد النهي ((فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ))، أي اعملوا القتال مع الله ورسوله، فأكل الربا يكون كمن أعلن الحرب مع الإله والرسول، وذلك من أفظع الجرائم، وعاقبته خسران الدين والدنيا، وحكم آكل الربا أنه يؤدّب مرتين ثم يُقتل في الثالثةكما رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) ((وَإِن تُبْتُمْ)) ولن تأخذوا الربا ((فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ)) دون الزيادة التي حصلتموها بالربا ولا مفهوم للآية بأنهم إن لم يتوبوا فليس لهم رأس المال، بل المراد أنّ لكم رأس المال فما تبغون بالزيادة ((لاَ تَظْلِمُونَ)) الناس بأخذ الزيادة منهم ((وَلاَ تُظْلَمُونَ)) بالنقصان من رأس المال ....
(280) وَإِن كَانَ)) فيمن تطلبون منه -ممن ذُكر أنه يرجع رأس المال- ((ذُو عُسْرَةٍ)) بأن كان رأس مالكم الذي تطلبونه عند ذي عُسرة لا يتمكن من أدائه لعُسره وضيقه ((فَـ)) اللازم ((نَظِرَةٌ)) الى إنتظار وتأخير ((إِلَى مَيْسَرَةٍ))، أي الى حال يسار المديون والجملة خبرية معناها الأمر، أي فانظروا الى وقت يساره ((وَأَن تَصَدَّقُواْ)) على المعسر بما عليه من الدَين بأن تجعلوا طلبكم صدقة له ((خَيْرٌ لَّكُمْ)) في الدنيا يجلب المحبة والبركة من الله سبحانه وفي الآخرة بالثواب الجزيل ((إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ))، أي إن كنتم تعلمون الخير من الشر وتميّزون ما ينفعكم مما يضركم لعلمتم أنّ هبة الدَين للمعسِر خير لكم ....
( 281)((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ)) فلا تأكلوا الربا ولا تؤاخِذوا المعسرين، بل تصدّقوا عليهم، فإنّ إتيان الحرام موجب للعقاب والتصدّق للثواب ((ثُمَّ تُوَفَّى))، أي تُعطى وافياً ((كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ)) من خير أو شر ((وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)) شيئاً فلا ينقص من أجورهم شيء كما لا يُزاد في عذابهم أكثر من إستحقاقهم، ومعنى الرجوع الى الله الرجوع الى حكمه وأمره وقضائه وجزائه ...
( 282)((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم))، أي تعاملتم بالدَين ودانَ بعضكم بعضاً في بيع أو غيره ((بِدَيْنٍ)) أما تأكيد وأما لدفع توهّم أن يكون المراد من المداينة المجازات كما قال الشاعر: ولا أنت ديّاني فتُجزيني ((إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى))، أي مدة قد سمّيت في العقد كما لو داينه الى سنة أو باعه نسيئة الى ستة أشهر مثلاً ((فَاكْتُبُوهُ))، أي أكتبوا ذلك الدَين في صك وأنه الى أية مدة لئلا يقع فيه نسيان أو جحود أو خلاف ((وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ)) كتاب الدَين ((كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ)) بالحق لا يزيد في المقدار والأجل والوصف ولا يُنقص منها ((وَلاَ يَأْبَ))، أي لا يمتنع ((كَاتِبٌ))، أي شخص كا من المتعاملين أو غيرهما ((أَنْ يَكْتُبَ)) الصك ((كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ)) بأن يبخل فلا يكتب، فالتكليف من الله سبحانه وهو في مقابل أن علّمه تعالى الكتابة والعلم فلا يُثقل أو يُبطئ أو يبخل ((فَلْيَكْتُبْ)) الكاتب ((وَلْيُمْلِلِ)) بمعنى ليملأ فإنّ الإملال والإملاء بمعنى واحد يلقي صيغة الكتابة على الكاتب ((الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ))، أي المديون حتى يقر على نفسه أولاً حتى لا يقول زائداً على الحق ثانياً فإنّ الذي له الحق لو أملى كان معرّضاً لأن يقول الزيادة ((وَلْيَتَّقِ اللّهَ)) الكاتب أو المديون ((رَبَّهُ)) فإنه رب له فكيف يخالف أمره ((وَلاَ يَبْخَسْ))، أي لا يُنقص الكاتب أو المديون ((مِنْهُ))، أي من الحق ((شَيْئًا)) أما نقص الكاتب فواضح وأما نقص المديون كان يجعل الدينار والذي هو مقابل ثوب في مقابل ثوبين ((فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا)) بحيث لم يتمكن من الإملاء ((أَوْ ضَعِيفًا)) لجنون أو كبر أو صغر أو نحوها ((أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ)) لخرس أو عذر آخر مع عدم السفاهة والضعف ((فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ))ن أي ولي مَن عليه الحق ((بِالْعَدْلِ)) بلا إفراط أو تفريط ((وَاسْتَشْهِدُواْ))، أي أطلبوا شهادة ((شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ)) على المكتوب لينفع ذلك عند الترافع والمخاصمة لدى التخالف ولعل قيد "من رجالكم" لإخراج الكفار ((فَإِن لَّمْ يَكُونَا))، أي لك يكن الشهيدان ((رَجُلَيْنِ)) لعدم حضورهما أو عدم إرادة المستشهد ((فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)) يشهدون على الكتابة، أو فليشهد رجل وامرأتان ((مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء)) لوثاقتهم أو عدالتهم إذ لا تُقبل شهادة من عداهم لدى المخالفة والتراخ، وإنما جُعلت المرأتان مكان رجل واحد لأن المرأة لضعف ذاكرتها كما ثبت في العلم الحديث يتطرق إليها من النسيان ما لا يتطرق الى الرجل، ولذا قال سبحانه ((أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا)) من الضلال، أي تخطأ وتشتبه وتنسى ((فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا)) التي لم تضل ((الأُخْرَى)) التي نسيت وضلّت، و"إن" أما بمعنى "لئلا" وتكون جملة "فتذكّر" منقطعة، أي إن ضلّت تذكّر الثانية الأولى، وأما أصلها "إن" بالكسر صفة لأمرأتان، والأول أقرب ((وَلاَ يَأْبَ))، أي لا يمتنع ((الشُّهَدَاء)) الذين يُراد إشهادهم للدَين -وسُمّوا شهداء بمجاز المشارفة- ((إِذَا مَا دُعُواْ)) لتحمل الشهادة وهذا أمر إيجابي أو إستحبابي، أو المراد الأعم من التحمل والأداء ((وَلاَ تَسْأَمُوْاْ))، أي لا تضجروا أيها المتداينون ((أَن تَكْتُبُوْهُ))، تكتبوا الدَين أو تكتبوا الحق ((صَغِيرًا)) كان الحق والدَين ((أَو كَبِيرًا)) وهذا تأديب لمن يترك كتابة الصغير لعدم الإهتمام به، فإن كثيراً ما يقع التنازع في الصغير ((إِلَى أَجَلِهِ))، أي الى أجل الدَين مدته، وفيه تنبيه الى أن الكتابة تبقى الى الأجل فتنفع هناك، أو المعنى كتابة تتضمن الى الأجل فيعيّن في المكتوب أجل الدَين ((ذَلِكُمْ)) ذلك إشارة الى الكتاب الذي يُكتب في المداينة وكم خطاب الى الذين آمنوا ((أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ))، أي أعدل، بمعنى أقرب الى العدل وإلا فليس في العدل مفاضلة حقيقية ((وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ)) فيه تقوم الشهادة التي تؤمن عن الزيادة والنقصان ((وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ))، أي أقرب الى عدم الريب في المبلغ والأجل فالله يريده وأنتم لا تشكون، والشهادة تستقيم بسبب الكتابة والصك وما ذُكر من الكتابة عامة لكل مكان ((إِلاَّ أَن تَكُونَ)) المعاملة -المفهوم من الكلام- ((تِجَارَةً حَاضِرَةً)) معجّلة غير مؤجّلة كغالب التجارات النقدية التي تجري في الأسواق ((تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ)) إدارة يد بيد، ومعنى الإدارة المناقَلة، فينقل هذا ماله الى ذاك وينقل ذاك عنه الى هذا ((فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ)) وحرج ((أَلاَّ تَكْتُبُوهَا)) فلا مانع من عدم كتابة التجارة النقدية إذ الكتابة للوثيقة وهنا لا يحتاج الى الوثيقة ((وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ)) فإنه يُستحب للإنسان الذي يريد المبايعة أن يأخذ الشاهد فإن المعاملة كثيراً ما يقع من نزاع وخصام فإذا كان هناك شهادة يقلّ وطئ النزاع والآية وإن كانت عامة لفظاً لكن لا يعد أن لا يُراد بها الإطلاق ومن المعاملات الجزئية اليومية لعدم تعارف الإشهاد منذ زمان الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ)) بأن يكلّف الكاتب الكتابة ويكلّف الشاهد الشهادة في حال يكون حرجاً عليهما وضرراً، كما تعارف الآن عند الحكومات المنحرفة فإنه يحضر الشاهد ويعنت ويُضار فإن مضارتها زهادة للناس عن الكتابة والشهادة ((وَإِن تَفْعَلُواْ)) المضارة بها ((فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ))، أي خروج عن أمر الله سبحانه لسببكم أيها المضارون ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) فيما أمركم ونهاكم ((وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ)) مصالحكم فاتبعوه ((وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) وأنتم لا تعلمون وما أجدر بالجاهل أن يتّبع العالِم، عن علي بن إبراهيم أن في سورة البقرة خمسمائة حُكم وفي هذه الآية الكريمة وحدها خمسة عشر حكماً والآية كما تقرر في العلم الحديث من أعجب الآيات في باب المعاملة ....
(283)((وَإِن كُنتُمْ)) أيها المتداينون المتابعون ((عَلَى سَفَرٍ))، أي مسافرين والتعبير بلفظ "على" لركوب المسافر غالباً ((وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا)) يكتب الدَين والمعاملة ((فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ)) تقوم مقام الصك ورهان جمع رهن، وهو إسم للوثيقة ولذا جائت الصفة بالتأنيث والقبض شرط في صحة الرهن، ولذا وصفه بالقبض ((فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم)) وهو صاحب الحق ((بَعْضًا)) وهو من عليه الحق بأن وثق به وأنه يؤدي الدَين بدون صك ولا رهن فأعطاه الدَين مجرداً عن اللأمرين ((فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ))، أي المديون ((أَمَانَتَهُ)) فلا ينكر ولا يمطل، كفاءً لما رآه أهلاً ((وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ)) فإن الله شهيد ويجازي فإن أنكر أو مطل أو بخس كان معرّضاً نفسه لهقوبة الله سبحانه ((وَلاَ تَكْتُمُواْ)) أيها الشهود ((الشَّهَادَةَ)) التي تحملتموها ((وَمَن يَكْتُمْهَا))، أي يخفي الشهادة فلا يحضر لأدائها أو يؤديها على خلاف الواقع ((فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)) فقد عزم القلب على الكتمان وإطاعته الجوارح واللسان ولأن الكتمان أنسب الى القلب لكونه في محل مكتوم ((وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ)) من إخفاء الشهادة وإبدائها ((عَلِيمٌ)) فلا تفعلوا ما يوجب عقابه وسخطه ....
( 284)((لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)) فما تعطونه من الأملاك ليست لكم إلا مجازاً وإنما هي ملك له سبحانه فاعملوا فيها حسب ما أمركم ولا تخالفوا أمر المالك الحقيقي ((وَإِن تُبْدُواْ))، أي تُظهروا ((مَا فِي أَنفُسِكُمْ)) بما تعلمونه ويخفى على غيركم ((أَوْ تُخْفُوهُ)) فتكتموه ((يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ)) فإنّ جميع الأعمال والأقوال والأفكار تحت المحاسبة، أو إنّ الإبداء والإخفاء لما في النفس محسوب عليهما، وهذا العموم للتناسق مع إبداء الشهادة وكتمانها ((فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء)) حسب ما تقتضيه الحكمة البالغة فإنّ الغفران والشفاعة ليسا إعتباطاً وإنما ينصبان على المحل القابل ((وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) من المغفرة والعقاب ولا يخفى أن العذاب على ما في النفس لا ينافي ما دلّ على عدم العقاب، على العزم على المعصية لاختلاف المعاصي واختلاف أنواع العقاب فإنه لا شبهة في أنّ من يعزم على المعاصي وإن لم يفعلها أبعد عن قرب الحلال ممن لا يعزم إطلاقاً، وهذا البُعد هو نوع من العذاب أو يجمع بنحو ذلك ...
( 285)وهنا يرجع السياق الى ذكر التوحيد والنبوة والشرائع جملة في لباس أنها لا تكلّف الناس فوق الطاقة وسؤال المغفرة والعفو لتكون فذلكة للسورة ((آمَنَ الرَّسُولُ)) محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ)) فهو أول مؤمن بما أُنزل إليه وليس كرؤساء الأديان المفتعلة والملوك والحكام الذين لا يشملهم القانون ((وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ))، أي كلّ واحد منهم ((آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)) فليس المؤمن أن يقتنع بجانب واحد من جوانب الإسلام كما هو كثير في تابعي الأحزاب والمبادئ حيث أن ذا النشاط المتفايض منهم يقتنع منه بجانب واحد وإن ترك سائر الجوانب فإن لسان حال المؤمنين ((لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ)) فلسنا كاليهود الذين لا يعترفون بالمسيح ونبي الإسلام ولا كالنصارى الذين لا يعترفون بنبي الإسلام، فلا تكون كمن يؤمن ببعض ويكفر ببعض ((وَقَالُواْ سَمِعْنَا)) آيات الله وأحكامه ((وَأَطَعْنَا)) أوامره ونواهيه لا كاليهود الذين قالوا سمعنا وعصينا يقولون ((غُفْرَانَكَ))، أي نطلب مغفرتك ((رَبَّنَا)) نعلم أنّ ((وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) فاغفر لنا حتى نكون في ذلك اليوم سعداء ....
( 286)إن الأحكام التي سلفت في السورة وفي غيرها ليست مما لا يُطاق فإنه ((لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)) فإن أوامره ونواهيه مستطاعة للمكلَّف وليس في الدين من حرج، فلا يظن أحد أن الإيمان السابق ذكره في (والمؤمنون كلٌّ آمن بالله) يوجب مشقة وعنتاً وإرهاقاً ((لَهَا))، أي للنفس ((مَا كَسَبَتْ)) من الحسنات فالجزاء الحسن يجزى به من أحسن ((وَعَلَيْهَا))، أي على النفس ضرر ((مَا اكْتَسَبَتْ)) من الآثام والسيئات ولعل في مجيء الكسب من بابين "كسب" و"اكتسب" إفادة أنّ الطاعة طبيعية والمعصية تؤتي بالتكليف إذ للفظة الإكتساب ظلالاً يفيد التعب والغضب بخلاف الكسب وتؤيده قاعدة "زيادة المبني تدل على زيادة المعنى" وهناك يتوجه المؤمنون الى الله داعين سائلين ((رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)) لا نسيان وإنما تصح المؤاخذة فيهما لغلبة كون مقدماتهما إختيارية وما ينتهي الى الإختيار يكون بالإختيار ((رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا))، أي ثقلاً فإن بعض التكاليف قد توجب ظروفها ثقلاً وعنتاً فالمؤمن يسأل أن يجنّبه الله سبحانه مثل هذا الثقل ((كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا)) فإنهم بلجاجتهم استحقوا تحميل الثقل كما تقدّم في قصة بقرة بني إسرائيل وكما قال سبحانه (فبظلمٍ من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات ما أُحلّت لهم) ((رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ)) وإن كان مقدوراً لنا فإنّ عدم الطاقة ليس بمعنى عدم القدرة حتى يُقال أنّ الله لا يكلّف غير المقدور فما وجه هذا الدعاء؟ ((وَاعْفُ عَنَّا)) ذنوبنا ((وَاغْفِرْ لَنَا)) خطايانا، أي إسترها ولا تبدها ((وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا)) سيدنا والأولى بالتصرف فينا ((فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)) حتى نغلب عليهم في الحكم كما نغلب عليهم في الحجّة ...
صدق الله العظيم ..... تمت بحمد الله سورة البقرة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات    تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالثلاثاء 22 فبراير 2011, 6:21 am

بارك الله فيك اخى

يعطيك الف عافية
تحياتى لك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر فلسطين
+ عضو محترف +
+ عضو محترف +
قمر فلسطين



 تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات    تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات Emptyالثلاثاء 22 فبراير 2011, 6:47 pm

شكرا كل الشكر لك ... أخت ( تالا العسولة ) شكرا لمرورك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة البقرة ..الايات 255- 285 اخر الايات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير القران الكريم ( سورة البقرة) الايات 108 - 132
» تفسير القران الكريم ( سورة البقرة ) الايات 133 - 168
» تفسير القران الكريم ( سورة البقرة ) الايات 169 -187
» تفسير القران الكريم (سورة البقرة) الايات 188- 225
» تفسير القران الكريم (سورة البقرة) الايات 226 - 255

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى جامعة الأقصى :: المنتديات العامة :: المنتدى الإسلامى-
انتقل الى: