منتدى جامعة الأقصى

 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 837438
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة

يشرفنا دخولكم على هذا المنتدى
يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 61195 شكرا تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 61195
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 3390 ادارة المنتدي  تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 3390
منتدى جامعة الأقصى

 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 837438
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة

يشرفنا دخولكم على هذا المنتدى
يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 61195 شكرا تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 61195
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 3390 ادارة المنتدي  تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 3390
منتدى جامعة الأقصى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أهلا و سهلا بك يا ツزائر نورت منتدى جامعة الأقصىツ
 
الرئيسيةجامعة الأقصىأحدث الصورخدمات الطلابالجامعة في صور تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Spktsإرسال استسفار للمديرتقدم بشكواك هنا وسنقوم بالرد عليك برسالة بريد الكترونيالتسجيلدخول
...



 More Twitter Facebook
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
تحدث مع إدارة المنتدى
عندما تكون الأيقونة
 باللون الأخضرأكون متواجداً
بإمكانك النقرعليها لمحادثتي
إذا كان لديك استفسار
 
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
صندوق الشكاوي
إذا كان لديك
شكوى ضعها
لنقم بالاجابة
عليها
المواضيع الأخيرة
» عذراً لكل من اخطأت بحقه .. دعوة للتسامح أعتذر لكل من أخطأت بحقه بقصد أو بغير قصد
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالخميس 19 أغسطس 2021, 9:43 pm من طرف نــدى الأيـــااااااام

» الدكتور : غازي ابو خماش .
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالأربعاء 09 يونيو 2021, 2:37 pm من طرف noor maha

» دور الانترنت في تطوير البحث العلمي
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالثلاثاء 02 فبراير 2021, 2:01 pm من طرف noor maha

» دور الانترنت في تطوير البحث العلمي
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالأحد 31 يناير 2021, 2:54 pm من طرف noor maha

» دور الإنترنت في تطوير البحث العلمي
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالخميس 17 ديسمبر 2020, 2:54 pm من طرف noor maha

» دروس في قواعد اللغة الانجليزية لكل المستويات
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالأحد 04 ديسمبر 2016, 11:25 pm من طرف ميوسة الملفوح

» دورالتربية العربية في مواجهة الفكر التربوي في إسرائيل
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالسبت 30 يناير 2016, 4:07 pm من طرف dr.ahmed

» التربية الإسلامية في مواجهة التحديات
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالسبت 30 يناير 2016, 3:19 pm من طرف dr.ahmed

» دور التربية في تصحيح مفاهيم العولمة
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالجمعة 29 يناير 2016, 5:26 pm من طرف dr.ahmed

» الإنترنت ودوره في تطوير البحث العلمي
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالثلاثاء 26 يناير 2016, 10:50 pm من طرف dr.ahmed

» التربية الإسلامية وتحديات العصر
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالإثنين 25 يناير 2016, 9:46 pm من طرف dr.ahmed

» معالم التغير التربوي لدي سيد قطب من خلال كتاباته
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالإثنين 25 يناير 2016, 9:09 pm من طرف dr.ahmed

» الإنترنت ودوره في تطوير البحث العلمي
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالسبت 23 يناير 2016, 10:50 pm من طرف dr.ahmed

» الإنترنت ودوره في تطوير البحث العلمي
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالسبت 23 يناير 2016, 9:49 pm من طرف dr.ahmed

» قلق الاختيار في العلاقة ببعض المتغيرات المرتبطة بطلبة وطالبات الثانوية العامة
 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالأربعاء 23 ديسمبر 2015, 8:59 pm من طرف dr.ahmed

مواضيع هامة

زوار المنتدى
free counters
لإعلاناتكم
 
لإعلاناتكم
يرجى مراسلتنا
 
 

 

  تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
قمر فلسطين
+ عضو محترف +
+ عضو محترف +
قمر فلسطين



 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43    تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالأربعاء 02 مارس 2011, 7:38 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] .. (1)((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ)) بإطاعة أوامره ونواهيه، وهذه الفاتحة تلائم خاتمة سورة آل عمران حيث قال سبحانه "واتقوا الله" ((الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ)) هي نفس آدم أبي البشر (عليه السلام) ((وَخَلَقَ مِنْهَا))، أي من تلك النفس، أما بالخلق من فضلة طينته، أو المراد من جنس تلك النفس ((زَوْجَهَا)) وهي حواء (عليها السلام)، فإن هذا الإله الخالق القادر حقيق بالتقوى، ولا يخفى أن ذلك لا ينافي خلق زوجتين جديدتين لهابيل وقابيل حتى نشأ منهما إبنا عم -كما عن الأئمة (عليهم السلام) -إذ الكلام في إبتداء الخلقة ((وَبَثَّ ))، أي نشر وفرّق ((مِنْهُمَا))، أي من هاتين النفسين ((رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء)) وهذا أيضاً لا ينافي إذ أصل البث منهما، ولعل عدم ذكر لفظة "كثير" هنا لمعلومية ذلك، أو للتفنن في العبارة الذي هو من أساليب البلاغة ((وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ))، أي يسأل بعضكم بعضاً بسببه فتقولون: أسألك بالله إلا ما فعلت كذا وصنعت كذا ((وَالأَرْحَامَ))، أي اتقوا الأرحام، وتقوى الله عدم مخالفته، وتقوى الأرحام عدم قطعها، وهذا مناسب لما سبق من خلقهم جميعاً من نفس واحدة، فهم متشابكون من أسرة واحدة، فلا ينبغي لبعضهم أن يقطع بعضاً ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) يرقب أعمالكم وأقوالكم ونيّاتكم، فلا تفعلوا ما يوجب سخطه وعذابه وعقابه.
( 2)((وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ))، أي أعطوا اليتامى الذين فقدوا آبائهم أو أمهاتهم وورثوا منهم أموالهم التي بأيديكم أيها الأوصياء، أو كل من كان مالهم بيده، والمراد عدم أكل أموالهم، ثم الإتيان في حال صغرهم الصرف عليهم وفي حال كبرهم أعطاهم إياها ((وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ))، أي لا تعطوهم الرديء في مقابل الجيّد، كأن تأخذوا أراضيهم الجيدة وتعطوهم أراضي رديئة وهكذا ((وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ))، أي بضمّها الى أموالكم بأن تخلطوا بعضها مع بعض وتأكلوها جميعاً ((إِنَّهُ))، أي إنّ كل واحد من التبديل والأكل ((كَانَ حُوبًا))، أي إثماً ((كَبِيرًا)).
( 3) وقد كان تحت وصاية الرجل يتيمة فيأخذها طمعاً في مالها، فنهى الله عن ذلك بقوله ((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ))، أي لا تعدلوا ((فِي الْيَتَامَى))، أي لا تعملوا بالعدل في زواجهنّ فتظلموهنّ بإبقائها معلّقة تريدون بذلك أكل أموالهم بحجّة الزواج ((فَانكِحُواْ)) غيرهنّ من ((مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء)) فإنّ اليتيمة لعدم وجود كفيل لها معرّضة للظلم والحيف أما غيرها فليست كذلك، ثم بمناسبته حكم النكاح يمتد الكلام حول موضوع تعدّد الزوجات ((مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ))، أي انكحوا إثنين إثنين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة، والمراد تزويج ثلاثة وثلاثة -مثلاً- في وقت واحد، وذلك مثل باع القوم أمتعتهم بأهل البلد يُراد أنّ ذلك وقع في الجملة لا أن كل فرد فعل ذلك سواء في طرف البيع أو الشراء، ولا يخفى أن خوف عدم القسط لا يوجب حُرمة النكاح وضعاً بمعنى بطلانه إذا نكح بل النهي عنه تكليفاً، وهل هو حرام أو إرشاد غحتمالان، كما لا يخفى أن جواز النكاح مثنى وثلاث ورباع لمن أمِن من نفسه وأنه يتمكن من أن يعدل فيما فرض الله لهنّ من الحقوق ((فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ)) بينهنّ في ما فرض الله تعالى ((فَوَاحِدَةً)) وهذا من باب المثال وإلا فمن عَلِمَ أنه يتمكن أن يعدل بين إثنتين فله أن ينكح إثنتين لا أزيد وهكذا بالنسبة الى الثلاث، وهذه الآية لا تنافي قوله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) إذ المراد العدل في كل شيء حتى الميل القلبي ((أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ))، أي اقتصِروا على الإماء فإنهنّ لا تحتجن الى القسم ونحو من الحقوق الواجبة على الرجال في مقابل الحرائر، والمُلك نُسب الى اليمين لأن اليد هي الغالبة في العمل، واليمين من اليدين أكثر عملاً من اليسرى ((ذَلِكَ)) الزواج من الواحدة أو الإقتصار على ما ملكت اليمين ((أَدْنَى)) أقرب ((أَلاَّ تَعُولُواْ))، أي لا تميلوا عن الحق ولا تجوروا.
( 4)((وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ))، أي مهورهنّ ((نِحْلَةً))، أي عطيّة فإنّ الله سبحانه أعطاها إياهنّ في مقابل الإستمتاع منهنّ لا على نحو الإبتياع ونحوه ولعل المراد في كلمة "نِحلة" إشارة الى تقدير المرأة وترفيعها عن مستوى المعاملة ((فَإِن طِبْنَ لَكُمْ)) أيها الأزواج ((عَن شَيْءٍ مِّنْهُ))، أي من المهر ((نَفْسًا)) تميز لـ "طِبنَ"، أي أعطين عن طيب النفس لا بالجبر والإكراه ((فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا)) الهنئي الطيب المساغ والمريء المحمود العاقبة.
( 5) ولما تقدّم الأمر بدفع أموال الأيتام إليهم عقّب ذلك بعدم الدفع الى السفيه ((وَلاَ تُؤْتُواْ))، أي لا تعطوا ((السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ)) وغنما أضاف المال إليهم لأنّ المال إنما هو للإجتماع بصورة عامة فإذا دُفع الى السفيه تلفه وكان نقصاً بالنتيجة عن الإجتماع وليس المراد بكون المال للإجتماع عدم الملكية الفردية بل المراد أنّ هذا المجموع من الأموال لإنتفاع المجموع فإذا تلف منه شيء كان نقصاً على المجموع ((الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً)) فإنّ بالمال يقوم أمر البشر إذ لولا المال لم تقم أمور الناس ولم تستقم الراحة والمعاملة بينهم ((وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا))، أي في تلك الأموال، ولعل عدم ذكر "من" مع أنه الأنسب لإفادة لزوم أن لا يقتطع من المال قطعة ثم قطعة حتى تفنى بل يكون الرزق في المال بأن يبقى المال على أصله وذلك لا يكون إلا بتدبيره باتّجار ونحوه حتى لا ينقص منه ((وَاكْسُوهُمْ)) وذكر هاذين من باب المثال وإلا فاللازم القيام بجميع نفقاتهم ((وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا)) بأن تتلطّفوا لهم في القول، وذلك لأن اليتيم والسفيه معرّضان للمخاشنة والنهر.
( 6)((وَابْتَلُواْ))، أي امتحنوا ((الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ))، أي السن الذي يتمكنون من النكاح والمواقعة فيه وهو سن البلوغ الشرعي ((فَإِنْ آنَسْتُم))، أي وجدتم ((مِّنْهُمْ رُشْدًا)) والرُشد عبارة عن تمكّن الشخص من إصلاح أمواله بلا سرف ولا تبذير ولا سَفَه ((فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)) المودعة عندكم ((وَلاَ تَأْكُلُوهَا))، أي لا تأكلوا أموال اليتامى ((إِسْرَافًا))، أي زيادة على قدر أجرتكم في حفظها فإن الإسراف التعدّي عن الحد ((وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ))، أي لا تأكلوا أموالهم سريعاً من جهة خوف أن يكبروا فيأخذوها منكم فقد كان بعض الأولياء يتلف مال اليتيم قبل أن يكبر حتى إذا كبر قال له صرفته عليك ((وَمَن كَانَ)) من الأولياء ((غَنِيًّا)) يجد مؤونة سنة كاملة ((فَلْيَسْتَعْفِفْ)) يُقال استعفف من الشيء إذا إمتنع منه، والمعنى الولي الغني لا يأخذ شيئاً لنفسه من مال اليتيم بعنوان الأجرة والعوض ((وَمَن كَانَ)) من الأولياء ((فَقِيرًا)) لا يملك مؤونته لاقوة ولا فعلاً ((فَلْـ)) ـه الحق في أن ((يَأْكُلْ)) من مال اليتيم ((بِالْمَعْرُوفِ)) الذي هو قدر أجرته على حفظ أمواله لا أزيد من ذلك ((فَإِذَا دَفَعْتُمْ)) أيها الأولياء ((إِلَيْهِمْ))، أي الى الأيتام الذين بلغوا ورشدوا ((أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ)) حتى لا ينكروا في المستقبل فإنّ الشهود حينئذ يكونون في جانبكم لدى الإنكار ((وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا))، أي محاسباً وشاهداً، فارقبوه في أعمالكم فإنه يعلم ما تفعلونه بأموال الأيتام.
(7)وقد كان أهل الجاهلية لا يورّثون البنات فكان الولي يدفع المال كلّه الى أولاد الميت دون بناته فنهى الله عن ذلك بقوله ((لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ))، أي أقرباء الرجال فلا يُعطى الرجل أكثر من حظه ونصيبه ((وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ)) فلا تُحرم من نصيبها كما لا تُعطى أكثر من حصّتها ((مِمَّا قَلَّ مِنْهُ))، أي مما ترك ((أَوْ كَثُرَ)) فالمهم أن يُعطى كل أحد نصيبه لا أن يكون ما يُعطى كثيراً أو قليلاً ((نَصِيبًا مَّفْرُوضًا)) فرضه الله سبحانه وأوجبه فلا يُزاد عليه ولا يُنقص.
( Cool((وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ))، أي شهد وقت قِسمة التركة ((أُوْلُواْ الْقُرْبَى)) أقرباء الميت الذين لا يرثون ((وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ)) من غير أقربائه ((فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ))، أي اعطوهم شيئاً من المال الموروث ((وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا)) حسناً غير خشن حتى يطيب خاطرهم ويجبر كسر عدم إرثهم وكسر يُتمهم ومسكنتهم.
( 9) ثم بيّن سبحانه أنّ مَن يأكل مال اليتيم أو ظلمه لابدّ وأن يفعل بيتيمه ذلك من بعده ((وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ))، أي يجب أن يخاف ولي اليتيم من أكل ماله فإنّ الولي لو خلّف يتيماً من بعده كيف يخاف أولياء يتيمه أن يأكلوا أمواله كذلك فليجتنب هو عن ذلك، والحاصل أنّ مَن كان في حِجره يتيم فليفعل به ما يجب أن يفعل بذريته، ولا يُردّ على هذا المعنى أنه كيف يزر وازرة وزر أخرى، إذ الجواب أن معنىذلك أنّ الله سبحانه لا يرعى يتيمه حتى لا يقع في مخالب أولياء ظلمه بل يتركهم يفعلون به ما فعل أبوه بأيتام الناس وهكذا يفسّر ما ورد من عقوبة الأبناء فعل الآباء، وضعاف جمع ضعيف ((فَلْيَتَّقُوا اللّهَ)) في أمر الأيتام فلا يأكلوا أموالهم ولايؤذوهم ((وَلْيَقُولُواْ)) للأيتام ((قَوْلاً سَدِيدًا)) صحيحاً موافقاً للعدل والشرع، فلا ينهروا الأيتام ولا يخاشنوا معهم في الكلام كما جرت عادة كثير من الأولياء.
( 10) ثم هدّدهم سبحانه بعذاب الآخرة بقوله ((إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا)) بلا مبرّر واستحقاق، والقيد توضيحي لإفادة أن أكل أموالهم ظلم وجور ((إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ))، أي يملئون في بطونهم ((نَارًا)) فإنّ مال اليتيم ينقلب ناراً ((وَسَيَصْلَوْنَ)) يُقال صَلى الأمر إذا قاسى شدته وحرّه ((سَعِيرًا))، أي ناراً مسعّرة مؤجّجة، والأكل في الآية كناية عن التصرّف ولو كان مثل الدار واللباس فإنّ الأكل يُستعمل بهذا المعنى كثيراً.
( 11)((يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ)) والوصية منه سبحانه فرض، كما قال سبحانه (ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ذلكم وصّاكم به)، والمعنى "في أولادكم" أي في ميراث أولادكم ((لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)) فالإبن يرث ضعف البنت، وقد كان هذا التقدير دقيقاً جداً حيث أن كلفة الرجل أكثر من كلفة البنت لوجوب نفقة المرأة على الرجل غالباً وفي كثير من الأحيان هو يقوم بالنفقة وإن لم تجب عليه ((فَإِن كُنَّ)) المتروكات الوارِثات للميت ((نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ))، أي إثنتين فما فوقها، فإنّ ذلك يُعبّر غالباً بمثل هذه العبارة، يُقال مَن له فوق العشرة يُؤخذ منه ومن له دونها لا يُؤخذ منه يُراد العشرة فما فوقها ((فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)) فإذا كانت للميت بنتان فما فوقهما وكان هناك وارث آخر في طبقتهنّ كالأم والأب كان لهنّ الثلثان والبقية لسائر الورثة، ((وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً))، أي أولاد الميت منحصرة في بنت واحدة ((فَلَهَا النِّصْفُ)) من التركة ((وَلأَبَوَيْهِ))، أي الأب والأم للميت الذين اجتمعا مع الأولاد ((لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ)) فنصيب كليهما الثلث ((مِمَّا تَرَكَ)) الميت ((إِن كَانَ لَهُ))، أي للميت ((وَلَدٌ)) سواء كان الولد واحداً أو متعدداً ذكراً أو أنثى أو بالإختلاف وأما تفصيل ميراثهم فموكول الى كتب الفقه ((فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ))، أي للميت ((وَلَدٌ)) لا صلبياً ولا حفيداً ((وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ)) الأب والأم للميت ((فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ)) والثلثان الباقية للأب ((فَإِن كَانَ لَهُ))، أي للميت الذي خلّف الأبوين بدون الأولاد ((إِخْوَةٌ)) من الأبوين أو الأب، والمراد بالأخوة اثنين فما فوق والأختان تقومان مقام الأخ فلو كان للميت أب وأم وأخوان لأو أخ وأختان أو أربع أخوات فما فوق ((فَلأُمِّهِ السُّدُسُ)) وذلك لأن الأخوة تمنع الأن عن السدس وتوفره للأب، فلا ترث الأم الثلث مع وجود الأخوة، وتقسيم التركة هكذا إنما هو ((مِن بَعْدِ)) إنفاذ ((وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا)) الميت ((أَوْ دَيْنٍ)) على الميت فأولاً يُخذ الدَين من التركة ثم تنفّذ الوصية من التركة -الى حد الثلث- ثم يُقسّم الباقي بين الورثة كما ذُكر، فلو كان للميت عشرة دنانير وكان عليه دَين قدره أربعة دنانير ووصّى بالإنفاق في الخيرات مقدار ثلثه كان للوارث مقدار أربعة دنانير فقط لأن أربعة خرجت ديناً ودينارين ثلثاً فلم يبق إلا أربعة ((آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً)) فلا تميلوا الى توريث الآباء أكثر من الأبناء بظن أنهم أحق من جهة الأبوّة ولا الى العكس بظن أنهم أحق من جهة الضعف الفطري الموجود في الأبناء فإنكم لا تعلمون أن أيهم أقرب نفعاً، والله الذي هو يعلم الأشياء يقرّر الحق كما تقدّم فلا تخالفوا تحديده في أنصبة الميراث جرياً وراء العاطفة والأوهام، فإنكم لا تعلمون أنكم بأيهما أسعد في الدنيا والآخرة ((فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ))، أي فرض الله هذه الأنصبة فريضة واجبة ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا)) فهو عالم بالمصالح حكيم فيما يفعل ويقرّر.
( 12)((وَلَكُمْ)) أيها الأزواج ((نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ))، أي زوجاتكم فإن ماتت زوجة أحدكم فللزوج النصف ((إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ))، أي للزوجات ((وَلَدٌ)) سواء كان من هذا الزوج أو من غيره ((فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ)) واحداً أو متعدداً ((فَلَكُمُ)) أيها الأزواج ((الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ)) من ميراثهن ((مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)) فأولاً يُخرج الدَين ثم تُخرج الوصية الى حد الثلث ثم تقسّم التركة فللزوج الربع والبقية للأولاد ((وَلَهُنَّ))، أي للزوجة التي بقيت بعد وفاة زوجها ((الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ)) من الميراث ((إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ)) أيها الأزواج ((وَلَدٌ)) وقد دلّت الشريعة أن الزوجة لا ترث من الأرض ((فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ)) واحداً أو متعدداً ذكراً أو أنثى من تلك الزوجة الباقية أو من غيرها ((فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم)) من الميراث ((مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا)) أيها الأزواج ((أَوْ دَيْنٍ)) ولعل تقديم الوصية في الآيات مع أن الدين مقدّم في الإخراج أن الغالب وجود الوصية بخلاف الدّين، ((وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً)) الكلالة هم الأخوة سواء كانوا من الأب أو الأبوين أو الأم، والمعنى أنه إن كان الوارث كلالة بأن لم تكن المرتبة الأولى موجودة فإن الأبوين والأولاد في المرتبة الأولى، والأخوة والأجداد في المرتبة الثانية، والأعمام والأخوال والعمات والخالات في المرتبة الثالثة، والزوجان يرثان مع كل مرتبة، وكلالةً في الإعراب منصوب على الحاليّة، فالمعنى إن وُجد رجل يرثه قريب له في حال كون ذلك القريب كلاله له ((أَو)) إن كان ((امْرَأَةٌ)) تورث كلالة، أي وُجدت إمرأة يرثها قريب لها في حال كون ذلك القريب كلالة لها، والحاصل أنه لو مات رجل أو إمرأة ((وَلَهُ))، أي لكل واحد من الرجل والمرأة الذين ماتا ((أَخٌ أَوْ أُخْتٌ)) والمراد هنا كلالة الأمي خاصة بأن كان الوارث شريكاً مع الميت في الأم فقط، بأن بقي أخوه أو أخته الأمّيان ((فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ)) من تركة الميت ((فَإِن كَانُوَاْ))، أي كانت الكلالة ((أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ)) الواحد بأن كانت الكلالة نفرين فصاعداً ((فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ)) يقسمونه بينهم بالسوية فإن الكلالة الأمي يرثون متساوين للذكر مثل حظ الأنثى ((مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ)) الميت ((أَوْ دَيْنٍ)) فإن الدّين والوصية يُخرجان من المال ثم يُعطى للواحد من الكلالة السدس وللإثنين فصاعداً الثلث ((غَيْرَ مُضَآرٍّ))، أي لا يُضار الكلالة بأن يحرموه من الثلث، أو يكون المعنى إنما تنفّذ الوصية إذا كان الموصى غير مضار بأن لم يوص بأكثر من الثلث وإلا لم تنفّذ الوصية فيما زاد على الثلث ((وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ))، أي هذه الأنصبة يوصيكم الله بها وصية ((وَاللّهُ عَلِيمٌ)) فيقدّر الأنصبة حسب ما يعلم من المصالح ((حَلِيمٌ)) لا يعاجل العصاة بالعقوبة فمن خالفه في الإرث ولم يَرَ عقوبة عاجلة فذلك لحلمه سبحانه فلا يغرّه ذلك.
(13)((تِلْكَ)) التي بيّنت في أوامر الإرث ((حُدُودُ اللّهِ))، أي الحدود التي جعلها الله سبحانه لمقادر الإرث فلا يجوز التجاوز عنها ((وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ)) بتطبيق أوامرهما والإجتناب عن مخالفتهما ((يُدْخِلْهُ)) الله سبحانه ((جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ))، أي من تحت قصورها وأشجارها ((خَالِدِينَ فِيهَا)) فلا زوال لهم عنها بالموت أو الإخراج أو ما أشبه ((وَذَلِكَ))، أي نيل الجنة والخلود فيها ((الْفَوْزُ)) الفلاح ((الْعَظِيمُ)) الذي لا يماثله شيء فلا يحسب أحد أن الفوز ببعض التركة ظلماً شيء يُعتدّ به فإنه لا فوز كفوز الجنة الدائمة.
( 14)((وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ)) بمخالفة أوامرهما وارتكاب نواهيمها ((وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ)) فيتجاوز ما حُدّ له من الطاعات ((يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا))، أي دائماً، ومن المعلوم أن ذلك لمن خالف جميع الأوامر لا بعضها التي دلّ الدليل على عدم خلوده، ولعل عموم "حدوده" حيث أنه جمع مضاف يدل على ذلك ((وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)) فيُهان في العذاب حتى يجتمع عليه عذاب الروح وعذاب الجسد.
( 15) وحيث بيّن سبحانه حكم الرجال والنساء في باب النكاح والميراث بيّن حكم الحدود فيهنّ إذا ارتكبن الحرام فقال سبحانه ((وَاللاَّتِي)) جمع التي، أي النساء اللاتي ((يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ))، أي الزنا، وإنما سميت بالفاحشة لأنه أمر يفحش ويتجاوز الحد ((مِن نِّسَآئِكُمْ)) سواء كنّ ذوات أزواج أو لا ((فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ))، أي اطلبوا شهادة أربعة رجال رأون الزنا كالميل في المكحلة ((فَإِن شَهِدُواْ)) أربعة عدول على ذلك ((فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ))، أي فاحبسوهنّ فيها وقد كان ذلك حكم الإسلام بالنسبة الى الزانية إبتداءً ((حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ))، أي حتى تموت ((أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً))، أي يجعل لهنّ أمراً آخر غير الحبس، وقد نزلت آية الحدود وهي قوله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فارتفع حكم الحبس في البيت، وما ورد في الأخبار من أن آية الحد ناسخة لآية الحبس يُراد به أن حكم الحبس ارتفع لانقضاء أمدها لأنها مؤقتة بجعل السبيل.
( 16)((وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ)) لعل المراد ب"اللذان" اللاطي والملوطفالضمير يرجع الى الفاحشة لا بمعناها الأول بل بالمعنى المنطبق، أما تفسيره بالزانيين -فإن لم يرد بذلك حديث عن المعصوم (عليه السلام)- فبعيد (( فَآذُوهُمَا)) الأذيّة أعم من الحد فلا حاجة الى القول بنسخ الحكم -إن لم يرد بذلك حديث معتبر- ((فَإِن تَابَا)) من فعلهما ((وَأَصْلَحَا)) والمراد بالإصلاح الإتيان بالأعمال الصالحة ((فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا)) ولا تتعرضوا لهما بسوء ((إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)).
( 17) ثم بيّن سبحانه أن التوبة ممن تُقبل وممن لا تُقبل لمناسبة قوله "فإن تابا" ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ))، أي إن قبول التوبة حق عليه سبحانه -جعله على نفسه- أو المراد توبة الله، أي رجوعه الى المعاصي فإنّ كلاًّ من الله والعبد تواب بمعنى راجع الى الآخر، فإنّ رجوع العبد بمعنى إقلاعه عن الذنب ورجوع الله بمعنى لطفه واحسانه وإعادة نظره على العبد ((لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ)) العمل المحرّم ((بِجَهَالَةٍ)) الظاهر أنه ليس المراد بالجهالة الجهل مقابل العلم بل المراد مطلق العصيان فإنها وإن صدرت عن عمل لكن حيث أنها يدعو إليها الجهل بما يترتب على الذنب يصح أن يُقال أنها عن جهل، وليس القيد إحترازياً حتى يُقال فما هو السوء بغير جهالة، بل فائدته أن السوء لا يصدر إلا عن جهل ((ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ)) قبل أن يروا علائم الموت ((فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ)) يرجع عليهم بمحو ذنوبه وإعادة لطفه عليهم ((وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً)) بمصالح العباد فيحكم بمقتضى علمه ((حَكِيماً)) يضع الأشياء في مواضعها حسب ما تقتضيه الحكمة.
( 18)((وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ)) المقبولة النافعة ((لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ)) المعاصي، وإنما سميت سيئة لأنها تُسيء الى صاحبها ((حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ)) بأن رأى آثاره من مشاهدة ملك الموت ونحوه ((قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ)) فإنه توبة المضطر الذي يريد الخلاص من العقاب لا توبة النادم المطيع كما قال سبحانه في قصة فرعون (الآن وقد عصيت من قبل) ((وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ)) فقد إنقطعت الحياة التي هي محل العمل وجائت دار الحساب التي فيها حساب ولا عمل ((أُوْلَئِكَ)) الطائفتان ((أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا))، أي هيّئنا لهم عذاباً يؤلمهم بسبب ما فعلوا من المعصية، ولا يخفى أن بالنسبة الى من عمل السيئات حتى جائه الموت لا يكون العصيان سبباً موجباً للعقاب فإنّ ذلك معلّق بعدم الشفاعة والعفو.
( 19) ثم إنتقل السياق الى حكم آخر من الأحكام المربوطة بالعائلة، وهو حكم المهر، فقال سبحانه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ)) والحكم وإن كان عامّاً للمؤمن وغير المؤمن لكن الإصغاء حيث كان خاصاً بالمؤمنين توجّه الخطاب إليهم ((لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا)) فقد كان أهل الجاهلية إذا مات بعض ذويهم حبسوا زوجته حتى تموت عندهم ويرثونها، أي يأخذون ميراثها ولم تكن المرأة تريد ذلك بل تريد الزواج من رجل آخر فيمنعونها عن ذلك ((وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ)) العضل هو إمساك المرأة في البيت دون تزويج، فإنه لغة بمعنى المنع ((لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ)) فقد كان الجاهليون إذا لم يرغبوا في زوجاتهم لم يطلّقوهنّ وتركوهنّ ومنعوهنّ عن الزواج حتى تفتدي ببعض مهرها أو سائر أموالها ((إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ))، أي بمعصية ظاهرة من زنا أو غيره فإنه يحق حينئذ لكم أن تضيّقوا عليهنّ حتى يفتدين ببعض ما آتيتموهنّ ((وَعَاشِرُوهُنَّ))، أي عاشروا النساء -مطلقاً- ((بِالْمَعْرُوفِ)) الذي يعرفه أهل العقل والدين ((فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ)) فلا تعجلوا بالطلاق ((فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)) من إئتلاف وحب في المستقبل أو أولاد صالحين أو نحو ذلك، فإنه كثيراً ما تقع نفرة بين الزوجين وتنتهي بؤئام وسلام ووداد وحب وأُلفة.
(20)((وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ)) بأن أردتم طلاق إمرأة وأخذ إمرأة أخرى مكانها ((وَآتَيْتُمْ))، أي أعطيتم من باب المهر ((إِحْدَاهُنَّ)) وهي المرأة السابقة ((قِنطَارًا)) ملاء مسك ثور ذهباً ((فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا))، أي من ذلك المعطى لها مهراً فقد كان الرجل في الجاهلية إذا أراد طلاق إمرأة وأخذ أخرى مكانها ضيّق على زوجته الأولى أو بهتها بفاحشة حتى يجبرها أن تفتدي نفسها فدائها مهراً للزوجة الثانية ((أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً)) هو مصدر في مكان الحال، وهذا إستفهام إنكاري، أي هل تأخذون بعض مالها بالبهتان ((وَإِثْماً مُّبِيناً))، أي بالإثم الواضح.
( 21)((وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ)) تعجب من أخذ بعض مهر المرأة بهذا النحو المشين ((وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ)) هو كناية عن الجماع، أي والحال أنتم إقتربتم منهنّ فذهب المهر لما حصلتم عليه من البضع، والإفضاء هو الوصول الى شيء بالملامسة ((وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)) والميثاق هو العهد الذي أخذته الزوجة من الزوج بالعقد لأن العقد معناه مقابلة المهر بما تستحل من نفسها له، وقد كان لازم العقد الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان.
( 22)((وَلاَ تَنكِحُواْ)) أيها المؤمنون ((مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء)) فقد كان أهل الجاهلية ينكحون زوجات آبائهم بعد وفاتهم فنهى الله سبحانه عن ذلك سواء دخل الأب بها أم لا ((إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ)) قبل إسلامكم فلا تؤاخذون بذنب ذلك فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله، يعني أنّ ذنب أخذِكم نساء آبائكم قبل الإسلام معفو عنه ((إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً))، أي زنا فإنّ زوجة الأب من محارم الإبن فمقاربتها زنا ((وَمَقْتًا))، أي موجباً لمقت الله وغضبه ((وَسَاء سَبِيلاً)) فإنه سبيل الكفار والعصاة.
( 23) ثم ذكر سبحانه سائر أصناف المحرّمات من النساء، ومن المعلوم أن التحريم يقوم بالطرفين فكما تُحرم المرأة على الرجل كذلك يُحرم الرجل على المرأة، وقد كانت هذه المحرّمات محلّلات عند بعض الناس كالمجوس، ولذا صرّح القرآن الحكيم بتحريمها، فقال ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)) وهي كل إمرأة يرجع نَسَبَكَ إليها بالولادة كالأم والجدّة من الطرفين ((وَبَنَاتُكُمْ)) وهي كل إمرأة يرجع نَسَبَها إليك بالولادة بنتاً أم بنت أولادك الذكور أو الإناث ((وَأَخَوَاتُكُمْ)) وهي اللاتي جمعك وإياهنّ رحم أُم أو صُلب ذكر ((وَعَمَّاتُكُمْ)) وهي اللاتي يكنّ أخوات لذكر يرجع نَسَبَك إليه من طرف الأب كأخت الأب وأخت الجد الأبي أم من طرف الأُم كعمة الأم التي هي أخت لأب الأم ((وَخَالاَتُكُمْ)) وهي اللاتي يكنّ أخوات لأنثى يرجع نَسَبَك إليها من طرف الأُم كأخت الأم وأخت الجدّة الأُمّيّة أم من طرف الأب كأخت أم الأب التي هي خالة أبيك ((وَبَنَاتُ الأَخِ)) بلا واسطة أم مع الواسطة كحفيدة الأخ ((وَبَنَاتُ الأُخْتِ)) بلا واسطة أم مع الواسطة كحفيدة الأخت، وهذه السبعة هي أصناف المحرّمات بالنَسَب ثم بيّن سبحانه المحرّمات بالسبب فقال ((وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ)) بلا واسطة كأُمّك الرضاعي أم مع الواسطة كأم الرضاعي للأب والأم الرضاعي للأم وهكذا ((وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)) ولم يذكر الأصناف الأُخر من المحرّمات بالرضاع كالعمة والخالة أما لفهم ذلك من السياق أو لدخولهنّ في "أخواتكم" فإنّ العمة أخت الأب والخالة أخت الأُم، وإذا تحققت حُرمة الأخت تحققت حُرمة بنت الأخ وبنت الأخت ((وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ)) أُم الزوجة مباشرة كانت أم لا كأُم أب الزوجة وأُم أُم الزوجة، وحيث أطلق سبحانه تبيّن أنه بمجرد العقد على المرأة تُحرم أُمها سواء دخل بالزوجة أم لا ((وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم)) الربائب جمع ربيبة وهي بنت زوجة الرجل من غيره سواء كانت قبل هذا الزوج أم بعد هذا الزوج، وقيّد "اللاتي" للغلبة فإنّ الغالب أنّ الرجل إذا تزوج بإمرأة لها بنت رباها في حِجره، والحجور جمع حِجر، ثم أنه لا فرق في الربيبة بين أن تكون بلا واسطة كبنت الزوجة، أم مع الواسطة كبنت الربيبة، أو بنت إبنها، أو أخت بنتها ((مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ))، أي حصل منكم جماع لهنّ، فإنّ الربيبة لا تُحرم بمجرد العقد على أمها وأنها تحرم لو دخل بأُمها، فلو تزوج بإمرأة ولم يدخل بها ثم فارقها بطلاق أو فسخ أو إنقضاء مدة في العدة أو نحو ذلك، حلّ أن يأخذ ربيبتها، وهذا هو الفارق بين (أم المرأة) و(بنت المرأة) ((فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)) في نكاح بناتهنّ بعد خروج الأمهات عن حبالتكم ((وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ)) حلائل جمع حليلة وهي الزوجة، أي زوجات أبنائكم سواء كان الإبن بلا واسطة أم مع الواسطة كإبن الإبن وإبن البنت ((الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ)) وذلك مقابل "الدعيّ" وهو من يتبنّاه الإنسان فإنه لا يحرم على الأب المتبنّي زوجة الإبن الذي تبنّاه لقوله سبحانه (ما جعل أدعيائكم أبنائكم) أما الإبن الرضاعي فإنه بمنزلة الإبن النَسَبي لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : (الرضاع لحمة كلحمة النَسَب) ((وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ))، أي يُحرم الجمع بين الأُختين بأن تكونا في حبالته معاً، ويجوز أخذ واحدة ثم إخراجها عن حبالته ونكاح الأخرى ((إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ)) فإن أعمالكم في الجاهلية بالنسبة الى نكاح المحرّمات غير مؤاخّذين عليها في الإسلام لأن الإسلام يجبُّ ما قبله ((إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا)) يغفر ذنوبكم السابقة ((رَّحِيمًا)) يرحم بكم فلا يجازيكم بسيّئاتكم.
( 24)((وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء))، أي النساء اللاتي أُحصِنَّ بالأزواج، أي حُرّمت عليكم النساء ذوات الأزواج، يُقال أحصن الرجل زوجته، أي حفظها من الفجور ((إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)) وهُنّ الإماء ذوات الأزواج التي سبيهنّ المسلمون، فإنّ السبي يقطع عصمتهنّ بأزواجهنّ الكفار ويحلّ للمسلم إيقاعهنّ ((كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ))، أي كتب الله -تحريم النساء المذكورات- عليكم كتاب، فهو منصوب على المصدر بفعل محذوف ((وَأُحِلَّ لَكُم)) أيها المؤمنون ((مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ)) المذكور فإنّ كل إمرأة لا يقع عليها أحد العناوين المذكورة سابقاً قريبة كانت أم لا فهي محلّلة على الشخص أن يتزوجها ((أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم))، أي تطلبوا بأموالكم التي تجعلونها مهراً لهنّ نكاحهنّ في حال كونهم ((مُّحْصِنِينَ))، أي تحصنون إياهنّ بالزواج ((غَيْرَ مُسَافِحِينَ)) السفاح هو الزنا بأن لا تبتغوا بالأموال السفاح كما يفعله الزانون حيث يسافحون بالنساء في مقابل المال، ففي ما وراء ذلك التحريم المتقدّم حلال أن تبتغوا النساء بالمال لكن من طريق الزواج لا عن طريق السفاح ((فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ)) "ما" موصوله يُراد به المرأة، والضمير في "به" عائد الى "ما"، أي النساء اللاتي إستمتعتم بهن ((مِنْهُنَّ))، أي من النساء، وهذا بيان "ما" والمراد الإستمتاع طلب المتعة، أي اللذة ((فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ))، أي فالنساء اللاتي إستمتعتم بهنّ من طريق الإحصان والزواج يجب عليكم إعطائهنّ أجورهنّ، وهذه الآية وردت في نكاح المتعة والمعبّر بالنكاح المنقطع كما ورد بذلك الروايات، والفرق بينها وبين الدائم أنها محددة بمدة طالت أم قصرت فإذا إنتهى أمده إنفسخ من نفسه بخلاف الدائم الذي يحتاج فسخه الى الطلاق أو نحوه، ويؤيد كون الآية في النكاح المنقطع لا الدائم ذِكر كلمة (الإستمتاع) الذي هو ظاهر في المتعة وذِكر الأجور، فإنّ المنصرف من الأجر ما يُعطى لقاء الإستمتاع لا النكاح الدائم، ولا ينافي أن يكون السابق على هذه الجملة عاماً يشمل الدائم والمنقطع، وهذه الجملة خاصة للمنقطع، فإنه كثيراً ما يُذكر الخاص بعد العام، فالمنقطع مصداق من مصاديق "مًحصنين غير مسافحين" وفي ذلك فائدة لطيفة، حيث تنبّه الآية على عدم الإحتياج الى الزنا والحال أن النكاح المنقطع بمكان من الإمكان ((فَرِيضَةً))، أي فُرضت ووُجبت الأجور فريضة فلا يجوز للرجل عدم إعطاء الأجور للمستمتَع بها ((وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)) أيها المستمتِعون ((فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ))، أي المقدار الذي تراضيتم بذلك المقدار ((مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ))، أي المقدار السابق من المهر، فإذا تراضيتم بزيادة المدة بعقد جديد أو نقصانها بالهبة، بزيادة المهر أو نقصانه جاز لكما ذلك، والحاصل أن ما تبانيا عليه سابقاً فريضة، لا يجوز العدول عنها إلا برضا جديد ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا)) بالمصالح ((حَكِيمًا)) فيما شرّع من الأحكام التي منها المتعة التي تفيد المسافرين والغرباء ومَن لا يتمكن من الدائم، فإنّ ذلك وقاية للمجتمع عن الزنا والسفاح واللواط والسحق وما أشبه مما لابد وأن ينفتح أبوابها إذا سُدّ باب المتعة.
(25)((وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ)) أيها المسلمون ((طَوْلاً))، أي من جهة الغنى والثروة بأن لم يكن له مال يكفيه ((أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ))، أي الحرائر ((الْمُؤْمِنَاتِ))، وإنما قيل لهنّ "مُحصَنات" لإحصانهنّ أنفسهن عن البِغاء كما قال سبحانه (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها) فالمرأة العفيفة مُحصِنة بالكسر ومحصَنة بالفتح بالإعتبارين، والمعنى أنّ الرجل لو كان فقيراً لا يقدر على مهر الحر ونفقتها ((فَـ)) لينكح ((مِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم)) ينكح أَمَة ملكتها يمين أخيه المسلم ((مِّن فَتَيَاتِكُمُ)) جمع فتاة وهي المرأة الشابة، والمراد بها هنا الأَمَة، فقد ورد أن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نهى -تنزيهاً- أن يقول أحد (عبدي) و(أَمَتي) بل يقول (فتاي) و(فتاتي) جبراً لخاطرهما ((الْمُؤْمِنَاتِ)) فإنّ مهر الأَمَة أقل وتكاليفها يسيرة ((وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ)) فليس المراد التنقيب عن حقيقة إيمان الأَمَة المراد تزويجها بل يكفي الظاهر أما الإيمان الراسخ القلبي فليس الى ذلك سبيل بل الله أعلم بذلك الإيمان ((بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)) فليس الرجل الحر بأعلى إيماناً من الأَمَة المؤمنة بل المؤمنون سواءً كانوا أحراراً أم عبيداً أُمّة واحدة بعضهم من بعض من طبقة أعلى من طبقة الآخرين، وإنما شُرّعت أحكام العبيد والإماء لمصالح خاصة، كما شُرّعت أحكام الرجال والنساء مختلفة لمصالح خاصة ((فَانكِحُوهُنَّ))، أي تزوجوا بالفتيات المؤمنات ((بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ))، أي سادتهنّ ومواليهنّ فإنه لا يجوز نكاحهنّ بدون رضى السادة ((وَآتُوهُنَّ))، أي أعطوا الفتيات المؤمنات ((أُجُورَهُنَّ))، أي مهورهنّ، وإعطاء الفتيات لا يُراد به إلا الدفع في تلك الجهة، وإن كان المولىيستحق المهر ((بِالْمَعْرُوفِ)) من دون عطل وأضرار، وليكن نكاحكم إياهن بإذن أهلهن في حال كونهن ((مُحْصَنَاتٍ)) عفائف ((غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ))، أي غير زانيات، وإنما قيّد بذلك لأن "النكاح" يُطلق على الوطي كما يُطلق على العقد الشرعي، قال سبحانه (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك)، أي لا يُزنى بها ولا تُزنى به، وقد كان في الجاهلية من يجبر إمائه على الزنا، فكان نكاحاً -أي جماعاً- بأجر، بإذن أهلهنّ كما قال سبحانه (ولا تُكرهوا فتياتكم على البِغاء إن أردن تحصّناً) ولعل ذلك لمقابلة قوله سبحانه بالنسبة الى الحرائر "محصنين غير مسافحين" ((وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ))، أي لتكن الفتاة عفيفة غير متّخذة لصديق، فإن الأخدان جمع خدن وهو الصديق، والحاصل أن تكون الأَمَة التي تريدون زواجها غير زانية ولا صديقة لأحد، وقد كُنّ بعض الإماء في الجاهلية كذلك فنهى الله سبحانه عن التزويج بهنّ ((فَإِذَا أُحْصِنَّ))، أي تزوجن فأحصنهن أزواجهن ((فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ))، أي بالزنا ((فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ))، أي إن حدّهنّ نصف حدّ الحرة الزانية وهو خمسون جلدة نصف حدّ الحرة، وقد كان من حكمة الإسلام أن جعل المحاربين مع المسلمين إذا فتحوا عليهم عبيداً وإماءاً -لا أن يقتل الجميع أو يسجنهم- ثم جعل العبودية تمشي في أعقابهم حتى لا يجرء أحد من محاربة المسلمين خوفاً من ذلك، أو على الأقل يحدّ من نشاط الحروب، فأي إنسان يسيغ العبودية، مع العلم أن كثيراً من الناس يستسيغون القتل والسجن، ثم بعد ذلك جعل للعبيد أحكاماً خاصة تشديداً تارة وتخفيفاً أخرى -ليقابل التخفيف التشديد- ثم ليكون لهم بصورة عامة ميزة خاصة يُعرفون عن الأحرار، وتفصيل فلسفة الأمرين يُطلب من الكتب الخاصة بهذا الشأن (*) ((ذَلِكَ)) النكاح للإماء ((لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ)) العَنَت هو الجهد والشدة، أي خاف أن يقع في جهد وشدة من جهة ترك الزواج، أو خاف الوقوع في الزنا لشدة رغبته الجنسية ((وَأَن تَصْبِرُواْ)) فلا تتزوجوا بالإماء ((خَيْرٌ لَّكُمْ)) فإنه لو إعتاد نكاح الإماء بقيت الحرائر بلا أزواج لقلة الكلفة بالنسبة الى الأَمَة وكثرة الكلفة بالنسبة الى الحرة، فيُقبل الناس على تزويجهنّ، وليس أمر العبيد والإماء والفروع المتصلة به قصة تاريخية لظروف خاصة، كما يقوله بعض من بهرته الإنهزامية الغربية، ولو جاز ذلك في هذا الحكم لجاز في كل حكم إسلامي، ولم يبقَ الإسلام إلا شمعاً بيد المصورين يصوغونه كيف شائوا ((وَاللّهُ غَفُورٌ)) لذنوبكم ((رَّحِيمٌ)) بكم فلا تيأسوا بالنسبة الى ما اقترفتم من المحرّمات المرتبطة بهذا الباب.
( 26) ثم بيّن سبحانه أن هذه المحرّمات إنما حُرّمت لمصلحة البشر لا إعتباطاً فقال ((يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ)) أحكام دينكم ودنياكم ((وَيَهْدِيَكُمْ)) يرشدكم ((سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ)) السُنن جمع سُنّة وهي الطريقة، أي طريقة الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين ((وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ))، أي يرجع عليكم بلطفه ومنّه حيث أنكم تعملون بطاعته -بعد ما كنتم في زمان الجاهلية تعملون بالمعاصي والآثام- فبيّن لكم الأحكام لتعملوا فيتوب عليكم ((وَاللّهُ عَلِيمٌ)) بمصالحكم ((حَكِيمٌ)) فيما يأمر وينهي.
( 27)((وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ)) كرّر لفائدة المقابلة بقوله سبحانه ((وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ)) في مواقعة كل إمرأة من غير نظر الى الحِل والحُرمة والمصلحة والمفسدة ((أَن تَمِيلُواْ)) عن الحق ((مَيْلاً عَظِيمًا))، أي إنحرافاً فإن إقتراف محرمات النكاح من أكبر الآثام، والآية وإن كانت عامة لكل مبطِل ولكل ميل إلا إن قرينة السياق تخصصهما بما ذكرنا.
( 28)((يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ)) في أمور دينكم ودنياكم ولذا أحلّ كل النساء إلا ما فيه مضرة، ويقبل توبتكم، ولو أراد التشديد لم يقبل توبتكم، وحرّم عليكم أقساماً أُخر من النساء كما قال سبحانه (فبظلمٍ من الذين هادوا حرّمنا عليكم طيّبات ..) وفيه إفادة أنه ليس تحريم من ذكر تثقيلاً وإنما هو تخفيف، فإنّ التخفيف قد يكون بالنسبة الى الشيء وقد يكون بالنسبة الى نتائجه وتحريم المحرّمات المذكورة تخفيف بالنسبة الى النتائج لما يشتمل عليه المحرّمات من وخامة العاقبة في الدنيا والآخرة التي منها ضعف النسل بالنسبة الى نكاح المحرّمات كما ثبت في الطب الحديث ((وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا)) فهو لا يصبر عن شهواته ويريد إقتراف آثام الزنا مما يضره في دنياه وآخرته.
(29)ولما بيّن سبحانه محرّمات النساء مما يتعلّق بالفرج بيّن محرّمات الأموال مما يتعلّق بالبطن فقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أن من وقى شر أجوفيه وقى الشر كله، والمراد بالأجوفين البطن والفرج، فقال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ)) تقدّم أن الحكم وإن كان عاماً للمؤمن وغيره إلا إن إصغاء المؤمن فقط أوجب توجيه الخطاب إليه فقط ((لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)) والمراد بالأكل مطلق التصرّف وأُتي بلفظ الأكل لشيوع هذا النوع من التصرّف، فهو من إستعمال الخاص وإرادة العام، وكلمة "بينكم" إنما أُتي بها لإفادة أن الأكل بالباطل إنما يعود ضرره إليهم أجمع فليس الأكل لمال غيرهم، وإنما أكل لأموالهم فيما بينهم، ويعود ضررهم الى مجتمعهم، والباطل هو خلاف الحق الذي لا يقرره الشرع والعقل، أما أخذ الخمس والزكاة وسائر الحقوق المالية والواجبات فليس أكلاً بالباطل ((إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)) الإستثناء منقطع لأنه ليس أكلاً للمال بالباطل وكثيراً ما يأتي مثل هذا الإستثناء في الكلام لإفادة الواقع حيث ينتظر السامع الإستثناء فيقول لا تجالس الأشرار إلا الأخيار ولا تأكل المضر إلا المفيد، وقوله "عن تراض" يفيد عدم جواز أكل المال مقابل التجارة الجبرية بدون رضا ((وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ))، أي لا يقتل بعضكم بعضاً فإن القتل مهما وقع على العدو فإنه واقع على الجنس البشري، والمناسبة بين القتل وأكل المال، إنّ الله سبحانه حرّم إنتهاك الأعراض، وأكل الأموال وإراقة الدماء، فحيث ذكر الأولين أشار الى الثالث ((إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)) ومن رحمته بكم أن جعل أموالكم وأعراضكم ودمائكم محترمة لا يجوز لأحد أن يتصرّف فيها.
( 30)((وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ)) القتل، أو أكل المال والقتل، أو إنتهاك العرض وأكل المال والقتل، والسياق يؤيد المعنى الثالث، وإن كان قرب اللفظ يؤيد المعنى الأول ((عُدْوَانًا وَظُلْمًا)) فإنه تعدّ للحدود وظلم للنفس وللغير، وفي ذلك إخراج للسهو والنسيان والخطأ ((فَسَوْفَ نُصْلِيهِ)) من أصلاه، أي ادخله ((نَارًا)) في الآخرة ((وَكَانَ ذَلِكَ)) الإدخال في النار لمن فعل ذلك ((عَلَى اللّهِ يَسِيرًا)) فلا يمنعه عنه مانع ولا يُسأل عما يفعل.
( 31) إن الإنسان لابد وأن تقع منه مخالفات، وحيث أن المخالفات مختلفة من كبيرة كقتل النفس، وصغيرة ككذبة عفوية ونحوها، ولذا يختم الله سبحانه تلك الآيات المحذِّرة عن المحرّمات المذكورة بقوله سبحانه ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ)) كانتهاك العرض وأكل أموال الناس بالباطل وإراقة دماء الأبرياء ((نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)) ومعنى التكفير الستر والغفران أن يغفر سائر السيئات لكم، ولا نؤاخذكم بما لابد وأن يقع من الإنسان في الحياة ((وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا))، أي مكاناً حسناً طيباً يُكرم صاحبه فيه، وكريم صفة الإنسان يُطلق على المحل، بعلاقة الحال والمحل، والمراد بالمدخل الكريم الجنة.
( 32) وحيث سبق الكلام حول أكل الأموال بالباطل، جرى السياق موضوع في موضوع أدق وهو تمنّي بعض الناس أن يكون نصيبهم كنصيب الآخرين، والتمنّي قد يكون مقروناً بطلب زوال النعمة من الآخر، وهذا هو الحسد المذموم الذي نهى عنه في هذه الآية، وقد يكون طلباً لأن يكون للإنسان مثل ما لأخيه وهذه هي الغبطة، وهذه وإن كانت خلاف الأدب -بالنسبة الى الأمور الدنيوية- لأنه يكشف عن ضِعة في النفس، لكنه ليس بمحرّم، وذكر مجمع البيان في سبب النزول ما لفظه، قيل جائت وافدة النساء الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالت : يارسول الله أليس الله رب الرجال والنساء وأنت رسول الله إليهم جميعاً فما بالنا يذكر الله الرجال ولا يذكرنا نخشى أن لا يكون فينا خير ولا لله فينا حاجة فنزلت هذه الآية وقيل أن أُم سلمة قالت : يارسول الله يغزوا الرجال ولا تغزوا النساء وإنما لنا نصف الميراث فليتنا رجال فنغزوا ونبلغ ما يبلغ الرجال فنزلت الآية عن مجاهد، وقيل لما نزلت آية المواريث قال الرجال نرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فيكونوا أجرنا على الضعف من أجر النساء، وقالت النساء إنا نرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا فنزلت الآية، وعلى أي حال فقد كان هناك تمنّي من أحد الجانبين فنهى الله عن ذلك بقوله ((وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)) فإن التمنّي مع قطع النظر عن عدم جدواه يكشف عن ضعف النفس وعدم تبصر الإنسان بالأمور إذ التفضيل لم يقع إعتباطاً، وإنما خلقة كل واحد من الرجال والنساء وسائر الملابسات الإجتماعية، أوجبت هذه المفاضلة من عليم حكيم، فلا يقل أحدكم ليت ما أعطى فلاناً من المال والجاه والتشريع كان من نصيبي ((لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ)) من المال والجاه والعمل ((وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ)) من الأمور المذكورة، ثم ليس كل ما اكتسبه الرجل له بل قسم منه لله سبحانه يجب صرفه في سبيله من مال أو جاه أو طاقة، ولذا قال "مما اكتسبوا" وكذلك بالنسبة الى النساء، فهذا النصيب الذي قدّره سبحانه هو الذي ينبغي لكل منهما أن يقع به ولا يتوقع أن يكون له مثل ما للصنف الآخر ((وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ)) أن يعطيكم ما تريدون لا أن تحسدوا وتتمنوا زوال نعمة الآخرين وانتقالها إليكم فإنه سبحانه هو القاسم والمعطي ((إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)) فيعلم ما تضمرونه من التمنّي والحسد، أو ما تنوون في قلوبكم من الإلتجاء إليه سبحانه في أن يوفّر عليكم الناقص الذي تريدون كما له ثم أن ظاهر قوله سبحانه "للرجال .." أن التمنّي كان بالنسبة الى الأمور الإكتسابية لا الأمور التكوينية .
( 33) وذكر سبحانه أن للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن، أما القسم الآخر من الكسب، أي بعض ما إكتسب الرجال وبعض ما اكتسبن النساء، فإنهمن نصيبالوارث، وليسذلك على وجه الفريضة وإنما على نحو القضية الطبيعية فإنالطبيعة الغالبةجرت علىأنيتنعّمالإنسان بقسم مما اكتسبهويخلّف قسماً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيبة الرحمن
+ عضو محترف +
+ عضو محترف +
حبيبة الرحمن



 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43    تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالإثنين 09 مايو 2011, 11:06 am

يسلمووووووووو خيو
ويعطيك الف عافية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
§«مؤمنــــ أحبكم ــــة »§
+ عضو محترف +
+ عضو محترف +
§«مؤمنــــ أحبكم ــــة »§



 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43    تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالإثنين 09 مايو 2011, 12:48 pm

بيض الله وجهك
كتر الله من أمثالك
لا حرمك الله الجنو وألبسك من فردوسها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمر فلسطين
+ عضو محترف +
+ عضو محترف +
قمر فلسطين



 تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43    تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43 Emptyالإثنين 09 مايو 2011, 8:04 pm

شكرا لكن اخواتي لمروركن الكريم


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة النساء .. الايات 1 -- 43
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  تفسير سورة النساء .. الايات 44 - 78
» تفسير سورة النساء .. الايات 79-- 102
» تفسير سورة النساء .. الايات 103 -- 139
»  تفسير سورة النساء .. الايات 140 - 176 ... اخر الايات
» تفسير سورة ص الايات 82 - 88 اخر الايات + * تفسير سورة الاعراف الايات 1-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى جامعة الأقصى :: المنتديات العامة :: المنتدى الإسلامى-
انتقل الى: